اسس اصطفاء الافراد والجماعات  في القرآن الكريم الحلقة الحادية عشر التفضيل في المجتمعات
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 
ما مر كان الحديث فيه عن اصطفاء الافراد والجماعات والتي بينا هناك ان هناك شروطاً خاصة اشار القرآن الكريم فيها الى الخصائص الشخصية التي لابد من توفرها في اولئك الافراد ليكونوا قدوة واسوة ودعاة الى الله بأمره.
ويقع الحديث في اصطفاء المجتمعات وهو يقتضي قراءة عامة في واقع المجتمعات التي جرى على يدها تغيير في الوقائع الكبرى للحياة الانسانية.
والمتتبع في آيات الذكر الحكيم يجد مجتمعين تم انتخابهما من بين المجتمعات للإسهام بمهمة التغيير الكبرى في المجتمع الانساني، هما مجتمع بني اسرائيل والمجتمع العربي .
ان الملاحظ في هذين المجتمعين ان الله تعالى اختصهما في ان يكون الانبياء (عليهم السلام) قد عاشوا بينهم، وان هذين المجتمعين القي على عاتقيهما حمل الرسالة الالهية الى العالم.
والملاحظ ايضاً ان اياً من المجتمعين لم يكن مجتمعاً مثالياً وان كان فيهما اشخاص مثاليون، الا إن هناك جملة من الصفات جعلت منهما المجتمعات الأقدر على نشر الرسالة بأطرها العامة، مع اخفاقهما الكبير في الكثير من الجزئيات، بل والقضايا الكبرى التي اودت بهما كمجتمعات في خارطة التأثير العالمي.
مجتمع بني اسرائيل
تمكن النبي ابراهيم وابنه اسحق ومن بعده ولده يعقوب (عليهم السلام) من اقامة مجتمع التوحيد في مناطق مختلفة من صحراء بلاد الشام، وكان كل منهم نبياً معصوماً، ثم رزق الله تعالى نبيه يعقوب (عليه السلام) بأثنى عشر ولداً، وبهم تبدأ قصة مجتمع بني اسرائيل.
كانت اسرة يعقوب (عليه السلام) اسرة موحِدة، الا ان النبوة والعصمة في ابنائه لم تكن الا من نصيب يوسف (عليه السلام)، الحقيقة التي كان يعقوب (عليه السلام) على علم بها، وجهلها بنوه، وكانت هذه الحقيقة تدفع يعقوب (عليه السلام) لتقريب يوسف (عليه السلام) الأمر الذي اثار حفيظة عشرة من اخوته واوغر في قلوبهم نار الحسد، اذ كانوا يظنون ان خلافة يعقوب (عليه السلام) الاجتماعية ستكون ليوسف (عليه السلام) بينما يرون انفسهم اولى منه، فقرروا ازاحة يوسف (عليه السلام) عن طريقهم كي يخلو لهم وجه ابيهم ثم يتوبوا الى الله تعالى، ويكونوا عباداً صالحين.
فالمؤشر الاول في التمييز بين المجتمع المُفضل من بين المجتمعات والمصطفى من الافراد والجماعات، ان المصطفين من الافراد والجماعات لهم من الملكات والكمالات ما يؤهلهم لحمل الامانة الالهية وحفظها وصيانتها وابلاغها كما ينبغي، اما المفضل من المجتمعات فإنه يتسم بصفة القابلية على الحفاظ على الخطوط العامة للرسالة بحيث يكون بتلك الخطوط مميزاً عن المجتمعات الاخرى، وتتفاوت افراده في الالتزام بتعاليم الدين واحكامه.
وهذا ما يظهر واضحاً من الفرق بين ابناء يعقوب وبين اخيهم يوسف وابيهم يعقوب وجديهما اسحق وابراهيم (عليهم السلام). فيوسف (عليه السلام) وسلسلة آبائه الطاهرين كانوا حملة الأمانة الإلهية والمصطفين من الله، عصمهم الله من الزلل والخطأ والمعصية، واستخلصهم من بين خلقه، فجرت على ايديهم المعجزات والكرامات وبلغوا دين الله لخلقه.
اما بنو يعقوب (عليه السلام) فعلى الرغم من كونهم من ابناء الأنبياء، وينتمون الى اطهر سلسلة نسبية فما في آبائهم الا نبي،  وجد ابيهم النبي ابراهيم (عليه السلام) من الانبياء اولي العزم، الا ان ذلك لم يمنع من انحرافهم عن الصراط السوي والطريق المستقيم، على الرغم من انهم يدينون بالتوحيد ويقرون بنبوة ابيهم وآبائه، وقد دفعهم الحسد الذي نما في قلوبهم الى السعي للقضاء على يوسف (عليه السلام) وقتله، فكانت خطيئتهم الاولى الحسد، ثم سعوا لقتله ثم عدلوا الى القائه في غيابة الجمع فجمعوا بذلك بين قطيعة الرحم وادخال الأذى على قلب ابيهم فهاتان خطيئتان، ثم باعوا أخاهم بثمن بخس مدعين انه كان رقاً لهم،  فهاتان جنايتان جمعوا فيها بين الكذب وقطيعة الرحم وبيع مالا يملك.
لم يرد في القرآن الكريم أي اشارة في انحراف ابناء يعقوب العقائدي، إلا ان مجريات الاحداث كاشفة من انحراف اخلاقي وتطاول على احكام الشريعة، وهاتان الصفتان انتقلتا الى الذراري من بعدهم.

الموضوع السابق إدارة الذات أولا

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat