اسس اصطفاء الافراد والجماعات في القرآن الكريم : الحلقة الخامسة
السيد عبد الستار الجابري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد عبد الستار الجابري

آل عمران (عليه السلام) المصطفون
الخصائص والادوار
آل عمران (عليه السلام) هم امتداد آل ابراهيم (عليه السلام) من جهة اسحق (عليه السلام)، ومن ابرز شخصياتهم النبي موسى والنبي هرون (عليهما السلام) ثم النبيين سليمان وداود (عليهما السلام) ومن بعدهم زكريا ومريم وعيسى (عليهم السلام) .
مثّل آل عمران الامتداد الرسالي لآل ابراهيم (عليه السلام) في مصر والشام، فبنوا اسرائيل بعد انتقالهم الى مصر ايام يوسف (عليه السلام) ازداد عددهم مع الزمن، وبعد مضي بضع مئات من السنين بلغ بنو اسرائيل من الكثرة ان الفرعون المصري خشيهم على ملكه، خاصة وانهم لا يدينون بدينه الوثني، بل يجاهرون بعبادة الله الواحد الاحد، ولخشيته خطرهم المستقبلي اصدر اوامره بقتل المواليد الذكور وترك المواليد الاناث، وان يكون القتل بين عام وعام خشية ان ينقرض بنو اسرائيل لانهم كانوا يمثلون ثقل اليد العاملة في مصر، وفي تلك الفترة المظلمة ولد موسى وهرون (عليهما السلام) وشاء الله تعالى ان يولد موسى (عليه السلام) في السنة التي يقتل فيها الذكور فالقته امه في اليم فحمله الى قصر فرعون في قصة ذكر القرآن الكريم تفاصيلها.
المرحلة التي ميزت آل عمران (عليهم السلام) في مسير الدعوة الى الله هي مرحلة بناء الدولة، فالمرحلة الاولى كما تمت الاشارة اليه هي مرحلة بناء الفرد، والمرحلة الثانية هي مرحلة بناء المجتمع التي تحققت على يد آل ابراهيم (عليه السلام)، والمرحلة الثالثة هي مرحلة بناء الدولة، فعلى يد آل عمران (عليه السلام) اسست اول دولة تقوم على اسس التوحيد وتحكمها الشريعة الالهية.
المتتبع للآيات الكريمة التي تناولت مسير بني اسرائيل منذ انتقالهم الى مصر حتى خروجهم منها يُكتشف مراحل الاعداد الاجتماعي الذي مر به بنو اسرائيل لتهيأتهم لبناء الدولة، فالمرحلة الاولى مرحلة الانتقال من حياة البادية الى حياة المدنية والتحضر وكان ذلك عند انتقالهم من كنعان الى مصر في ايام يوسف (عليه السلام)، المرحلة الثانية مرحلة الانعتاق من تأثير مخلفات الحضارة المصرية وبناء مجتمع توحيدي خالص من الناحية العقائدية ويحكمه قانون الهي نزل به الوحي، وقد تحقق ذلك في مرحلة التيه الذي تمت فيه اعادة بناء شخصية المجتمع وتطهيره من الآثار السلبية للحضارة الوثنية عقائدياً ومن روح الخور والجبن والاتكالية اجتماعياً، والمرحلة الثالثة مرحلة السيطرة على الارض وبناء الدولة، وقد بلغت دولة التوحيد اوج عظمتها وتوسعها ايام النبي سليمان (عليه السلام)، وبعد ذلك تعرضت للانكفاءة نتيجة ابتعاد بني اسرائيل عن تطبيق الاحكام الالهية حتى سقطت دولتهم علي يد نبوخذ نصر ثم وقوعهم تحت هيمنة الرومان، وكان اعظم تحول في حياة بني اسرائيل عند ظهور عيسى (عليه السلام)، ثم اعتناق الرومان النصرانية، لتكون النصرانية الدين الحاكم في شمال وغرب اسيا وشمال افريقيا واوربا.
كانت دولة بني اسرائيل اول دولة بنيت على التوحيد، قادها الانبياء واتخذت من التوراة شريعة للحكم، فمثلت مرحلة متقدمة من مراحلة بناء الفرد والمجتمع والدولة، لتسهم بعد ذلك في تطوير المجتمع الانساني الى مجتمع متحضر موحِد يحكمه القانون بعد ان كان يحكم حسب هوى الحكام.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat