الحر الرياحي وعمر بن سعد نموذجان لتطابق الارادة مع الفكر والعاطفة
سعيد العذاري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
للإرادة دور كبير في النمو والتنمية الاخلاقية،وفي استقرار وطمأنينة وسعادة الانسان فهي العامل الأساسي في تحويل المفاهيم والقيم الاخلاقية من طور القوة والكمون والجمود الى طور الفعل والحركة والنشاط العملي حينما تترجم التصورات الى أعمال وحركات وممارسات ميدانية، وحينما تتجذر في العقول والقلوب والنفوس وتتحول الى عادة ثابتة وملكة راسخة، حيث يكون دور التنمية والتربية دور استحثاث الطاقات الكامنة وإنماء القدرات الممكنة النماء، وأفضل الطرق لتقرير المبادئ الأخلاقية في الواقع وتحكيمها على الأفكار والعواطف والممارسات أن تقوى الإرادة.
وتقوم الإرادة بأدوار حيوية ومنها:
1- تمنع الانسان من الاندفاع والانكماش الآلي نحو الفعل الخارجي بعد التأمل والتفكير بالمصالح والمفاسد.
2- تقلب الفعل الغريزي أو العادي الى فعل تأملي مقصود ومريد.
3- تنظم التصورات والارتباطات والممارسات تنظيماً موافقاً للمصالح والمفاسد تبعاً للظروف الطارئة والمستجدة.
4- تجعل الانسان يشعر بما يريد فعله أو قوله ويدرك الغاية من ورائه.
5- تجعل الانسان قادراً على إدراك إمكانية تحقيق ما يريد أو عدم إمكانيته، فهي عمل معقول.
وتختلف الإرادة عن العادة لأنها تقوم على التكرار، وتختلف عن الغريزة لأن الغريزة أشبه بالرغبة العمياء.
والإرادة حركة وفاعلية وقرار واقعي يتقوم أو يرتكز على ما يتبناه الانسان من مفاهيم وقيم ومثل وتصورات وأفكار، وما يستتبعها من عواطف ومشاعر، والإرادة هي جزء هام من مقوّمات الشخصية الانسانية التي تتقوم بثلاث مقومات:
1- الفكر والعقيدة.
2- العاطفة من حيث الحب والبغض.
3- الإرادة.
فإذا انطبقت هذه المقومات تمتعت الشخصية بالاطمئنان والاستقرار، وإذا لم تنطبق أو بمعنى آخر إذا لم تتبع الإرادة الفكر والعاطفة اضطربت الشخصية وابتعدت عن الاستقرار.
والفعل الإرادي يمكن تحليله الى عنصرين:
1- نية الفعل، حيث تشتمل على رغبة وحاجة وأمل.
2- إرادة الفعل، حيث تنزع الإرادة الى تقرير الفعل من حيث تجسيده في الواقع أو عدم تجسيده.
والفعل الإرادي يمكن إرجاعه الى عدة مراحل:
1- تصور الهدف أو الغاية.
2- مناقشة التصور والتدبر فيه.
3- القرار أو العزم.
4- التنفيذ.
وقوة وضعف الإرادة المتمثلة بمرحلتها الأخيرة وهي التنفيذ تتأثر بعدة عوامل ومنها:
1- إلحاح الغريزة.
2- وجود المغريات الخارجية.
وتلعب التربية والتنشئة الاجتماعية دوراً أساسياً في تنظيم الغريزة من حيث الاندفاع والانكماش أو التأجيل أو الإطلاق والتقييد، حيث يمر الانسان بعدة مراحل أو تواجهه عدة مراحل:
1- مرحلة الحذر: حيث يتعلم فوائد أو أضرار بعض الممارسات فيحذر من ترك الفوائد أو ممارسة الأضرار سواء كانت أضراراً فردية وشخصية أو أضراراً اجتماعية.
2- مرحلة السلطة الاجتماعية: حيث يتعلم الانسان مراعاة السلطة الاجتماعية فبعض ممارساته تسبب رضى الناس لموافقتها لهم، وبعضها تسبب سخط الناس أو عدم ارتياحهم.
3- مرحلة المسايرة أو المجاملة: حيث يتعلم الانسان مسايرة المجتمع أو مجاملته في عاداته وتقاليده وأعرافه وممارساته.
4- مرحلة الإرادة: وهي أرقى وأنضج المراحل حيث يتعلم الانسان القدرة على التحكم في رغباته ودوافعه بغض النظر عن رأي المجتمع أو بغض النظر عن رضا الناس وسخطهم، حيث يكون قراره النهائي نابعاً من المفاهيم والقيم التي آمن بها وتبنّاها منهجاً له في الحياة.
وقوة الإرادة لها معنيان:
1- قوة الإرادة الإيجابية إذا كان العمل صالحاً وبناءً.
2- قوة الإرادة السلبية إذا كان العمل طالحاً وهدّاماً.
وقوة الإرادة الإيجابية تعتمد على:
1- الإيمان العميق المتفاعل مع المفاهيم والقيم الدينية والروحية.
2- الشعور المتجذر بالرقابة الإلهية.
3- التدريب المتكرر على الأعمال الصالحة.
4- ممارسة الأعمال الصالحة في الواقع.
5- حيوية الضمير.
6- التدريب على ضبط الغرائز وعدم الانسياق وراء ما هو غير مشروع منها.
7- دور الثواب والعقاب.
تسافل الإرادة
والإرادة قد تتسافل وتتجه نحو الهاوية حينما تفرض على الفكر والعاطفة حالة التبعية لها خلافاً لواقعها، فالإرادة في الوضع السوي والطبيعي تتبع العاطفة والعاطفة بدورها تتبع الفكر، فيتحقق الاطمئنان والاستقرار في الشخصية، وفي حال عدم الإتباع تبقى الشخصية قلقة ومضطربة.
أما الحالة أو الوضع غير السليم للإرادة هو إرغام الفكر والعاطفة على متابعة الإرادة، وهي خدعة تتجه لها النفس للمحافظة على الاستقرار الآني.
ومن خلال دراسة التاريخ تظهر لنا إرادتان أحدهما إيجابية والأخرى سلبية تتسافل فيها الإرادة لتكون حاكمة على الفكر والعاطفة.
ظاهرة الحر بن يزيد الرياحي
الحر بن يزيد الرياحي كان يؤمن بأنّ الامام الحسين (ع) هو ابن خيرة الرجال وخيرة النساء، وانه أحقّ بالخلافة من يزيد، وكانت عاطفته مع الحسين (ع) تبعاً لنظرته إليه، وكان قائداً في الجيش الأموي وكلفه والي الكوفة بأن يضايق الحسين ولا ينزله إلا بالعراء( ).
وقد كان الحر متردداً في قتال الامام (ع) بل لم يتوقع أن الأمر يصل الى القتال، وقد بقي يعيش صراعاً داخلياً بين عقله وإرادته، أي بين فكره وعاطفته وسلوكه المرتقب، وهذا الصراع سلبه الاطمئنان والأمان، فهو مخيّر بين الدنيا وجميع ما فيها، وبين الآخرة، بين الحياة وبين الموت، بالبقاء مع الجيش الأموي أو الالتحاق بالإمام الحسين (ع).
وحينما أيقن بأنّ القتال سوف يقع لا محالة أتبع إرادته بعاطفته وفكره لأنه كان يوالي الحسين (ع) في أعماقه، وكان موقفه الظاهري مع بني أمية، إلا أنه حسم الوقف وقرّر أن يكون موقفه مع الحسين (ع) فتطابق لديه الفكر والعاطفة والإرادة، حيث صرّح لأحد الرجال: «إني والله أخيّر نفسي بين الجنة والنار، ولا أختار على الجنة شيئاً ولو قطعت وحرقت» ثم ضرب فرسه ولحق بالحسين (ع)( ).
ظاهرة عمر بن سعد
كان عمر بن سعد من الشخصيات المرموقة في مجتمع الكوفة، وكان يعدّه البعض من الفقهاء، وكان يؤمن بأحقيّة الامام الحسين (ع)، وبأنه يجسد الرسالة الاسلامية، وكان كغيره من المسلمين تابعاً للحكومة الأموية كقائد عسكري، فكان موقفه الظاهري معها مع الاحتفاظ بفكره وعاطفته بمعية الحسين (ع)، وكان يعيش الصراع الداخلي الذي سلبه الأمان والاطمئنان والاستقرار، واشتد الصراع وعظم لديه حينما خيّر بين ملك الريّ وبين قتل الحسين (ع)، وقد أفصح عن حقيقة الصراع قائلاً:
أأترك ملك الريّ والريّ رغبة أو أرجع مذموماً بقتل حسين
وفي قتله النار التي ليس دونها حجاب وملك الري قرّة عين ( )
وبقي يعيش عدم الاستقرار النفسي لعدم تطابق الفكر والعاطفة والإرادة ففقد الاستقرار والتوازن النفسي وخدعته نفسه أو خدع نفسه، فجعل فكره وعاطفته تبعاً لإرادته.
وأول خطوة خطاها هي نكران يوم القيامة أو التشكيك به.
يقولون إن الله خالق جنة ونار وتعذيب وغلّ يدين
فان صدقوا فيما يقولون إنني أتوب الى الرحمن من سنتين
وأن كذبوا فزنا بدنيا عظيمة وملك عقيم دائم الحجلين ( )
والخطوة الثانية هي إعلان إيمانه الكامل بأحقية الحكم الأموي حيث يقول: «يا خيل الله اركبي وبالجنة ابشري»( ).
وبعد انتهاء المعركة لم يحصل على ملك الري فعاد الى ثوابته الفكرية وقال: «ما رجع أحد الى أهله بشرّ مما رجعت به أطعت الفاجر الظالم ابن زياد، وعصيت الحكم العدل وقطعت القرابة الشريفة»( ).
وخلاصة القول: إن تنمية الإرادة ضرورة تربوية ينبغي الانتباه إليها في أجواء تربية الطفل، وهي تعتمد بالأساس على مقومين:
الأول: سمو المفاهيم والتصورات والأفكار والعقائد والذي تتشعب منه الأهداف والغايات السامية، ولهذه الأهداف سلطان قوي على أعماق النفس الانسانية، فهي التي توجه إرادته، وتحشد قواه النفسية في خدمة الهدف، وكلما كان الهدف أسمى وأرفع كانت القوى اللازمة لتحقيقه أكثر وأغزر.
ولا نبالغ إذا قلنا أن الهدف العظيم يخلق الانسان العظيم.
الثاني: الثقة بالنفس لتحقيق الأهداف، فمن تكون ثقته عالية بنفسه يجد نفسه قادراً على القيام بكل عمل يقع مقدمة لتحقيق الهدف، فيقدم عليه بحماسة متعالياً على جميع ألوان ومظاهر المصاعب والتعقيدات والعراقيل، فيفضل الجهد على الراحة والإقدام على التراجع والخطر على السلامة، وخير نموذج هم أرقى الشخصيات الذين وصلوا الى حد التضحية بالمال والنفس من أجل تحقيق أهدافهم السامية.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
سعيد العذاري

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat