النبي الخاتم (ص) وأذاه إلى يوم القيامة
مالك العظماوي(*)
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مالك العظماوي(*)

عندما بعث الله سبحانه وتعالى الأنبياء والرسل كان هدفهم جميعاً هداية الناس إلى السراط القويم، من أجل أن يأخذوا بيد البشرية إلى جادة الحق التي رسمتها السماء. وخلال مسيرتهم التبليغية واجهوا كثيرا من المصاعب الجمّة من خلال تكذيبهم تارة، ومن خلال تسفيههم تارة أخرى.
وكان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد تعرض للأذى الكبير والأليم، فقد قال: لقد أوذيت في الله ما لم يؤذ أحد، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل"، وكان بلاء النبي صلى الله عليه وسلم الصادم بلاء شديداً نفسياً وجسدياً وروحياً واجتماعياً واقتصادياً، وكانوا يكذبونه وينسبونه إلى الكذب والإفتراء وكانوا يظنون عنه أنه ساحر، أو يقولون أنه شاعر، أو أنه يفتري على الله، وقد يقولون أنه يأتيه الجن، أو أنه - والعياذ بالله- مجنون ومخبول، فلا يتركون شتيمة إلا ويلصقونها بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد كان عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يسمع كل ذلك، فقد قال تعالى: [وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون] وقال سبحانه: [بل قالوا أضغاث أحلام وافتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون] .
وهنا لابد من طرح هذا التساؤل، حول حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بأنه لاقى ما لم يلاقِ الأنبياء الآخرون من الأذى! والقرآن الكريم يحدثنا عن معاناة الأنبياء؟ مثل معاناة النبي أيوب عليه السلام وكيف أبتلي بأشد أنواع الإبتلاء في ماله وولده وصحته! وكيف واجه إبراهيم عليه السلام قومه عندما ألقوه في النار ليحرقوه، لولا أن جعل الله تعالى النار برداً وسلاماً! وكيف إستسلم للذبح إسماعيل عليه السلام إمتثالاً لأمر الله تعالى، حتى فداه الله بذبحٍ عظيم، وكثير غيرهم من الأنبياء ممن واجهوا المتاعب والمصاعب والإبتلاءات ما لم تواجه نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف إذن يقول: ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت؟ وللإجابة على هكذا تساؤلات نقول:
إن جميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام قد نذروا حياتهم وأجسادهم في سبيل الله، وكل الأذى الجسدي ومهما تنوعت أساليبه، فهم مهيأون له. والأذى الجسدي قد يكون آنياً عندما يقطف النبي أو المُرسَل ثمار دعوته أو يموت دونها، وهذا أمر منطقي لكل الدعاة من أجل القضية أو الهدف، لكن أذيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن جسدية، بل كانت نفسية وقلبية بأهل بيته عليهم السلام، بدءاً بأذى سيدة النساءِ وأمير المؤمنين ومروراً بآغتيال الحسن وفاجعة كربلاء التي هزت وجدان البشرية، بل جميع الخلق في السماوات والأرض، الجريمة التي تؤذي قلب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كل حين والى يوم القيامة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، على العكس من باقي الأنبياء والمرسلين فمأساتهم وأذيَّتهم إنتهت بزمانهم، إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأذاه باقٍ إلى يوم القيامة، فإنا لله وانا اليه راجعون.
-----------------------------
(*) كاتب وباحث ومؤلف
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat