الوطنية الشيعية.. مفاهيم الدولة والعقيدة!
محمد الحسن
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الحسن

مجموعة بشرية تعيش على هامش المجتمعات، من يصل منها الى موقعمالي او سياسي او اجتماعي، يتبرأ او يحاول اخفاء عقيدته. وجودهامختزل في منطقة واحدة (شرق العالم العربي وايران). لها عقيدة صارمةصاغت اخلاقياتها. فالشيعة ولوقت الناس هذا ينظرون الى السلطة نظرةاحتقار ودونية، وهذه النظرة ناتجة عن قرون من الاضطهاد والحفاظ علىالعقيدة؛ اذ كانت السلطات المتعاقبة تعمل بطرق بعيدة عن الاخلاقوتضطهد الشيعة، الامر الذي رسّخ ثقافة احتقار السلطة شيعيا. لم يكنللشيعة دولة كبيرة، وليس لديهم قوى سياسية، كانوا اقليات هامشية،فكيف تغيّر كل هذا؟!..
العراق هو المكان الذي تنطلق من خلاله تبدلات الوضع الشيعي، لعدةاعتبارات اهمها الموقع الديني للعراق ويمكن اعتبار النجف الاشرفعاصمة التشيع ووجهة الشيعة، ففيها ضريح الامام علي والحوزة العلميةالتي حفظت الارث العقائدي الشيعي.
بعد العام ٢٠٠٣ ونتيجة لجهود وتنظيم كبير من قبل شيعة العراق الذينوصلوا الى السلطة، وانتهجوا النظام الديمقراطي في الحكم وفق مبدأالشراكة. هذا الواقع مكّن الشيعة من طرح عقيدتهم بلغة عربية سليمةوتسويق هويتهم التي بانت للآخرين على انها عقيدة طبيعية خالية منالتطرف ومتعايشة مع كل زمان ومكان. ومن هنا بدأت تنشأ جماعاتشيعية ليس لها بعد تاريخي في دول تتبنى مذاهب تكفّر المذهب الشيعي. تلك الجماعات المنتشرة حول العالم، تبدو وكأنها معزولة عن مجتمعها،وهذا يحتاج الى جهود كبيرة من اجل كسر الحواجز بين الشيعة والمجتمعالذي هم جزء منه. لا توجد مشكلة لدى الشيعي، فهو يرغب بالاندماج ولايطلب سوى القبول، غير انّ الآخر له تصورات متطرفة عن الشيعة، الامرالذي يعقّد المشكلة.
ثمة اشتباك بين العقيدة كمفهوم ديني قديم والوطنية كمفهوم مستحدث،فدائما ينظر الى الشيعي على انه يؤمن بالاولى ويرفض الثانية. وهذاخطأ كبير يفاقم الازمة. فالشيعة لا يختلفون عن الآخرين، فمثلا عندمايؤمن المسيحي العراقي او اللبناني بالفاتيكان، ايمانه لا يضعه بخانةالاختيارات؛ اما الفاتيكان او الوطن.. ارتباطه بالفاتيكان ديني، وبوطنهارتباط تاريخي وقانوني وثقافي واجتماعي واقتصادي، فهو جزء فاعلفي هذا المجتمع. الحال لا يختلف بالنسبة للشيعي، فالشيعة يرتبطونروحيا بالنجف، ولديهم ارتباطات ثقافية بعضهم ببعض، كما للمسيحياو للسني مثل تلك الارتباطات. ولا يذهب الشيعة، من الناحية العمليةالحالية، الى تبنى نظرية إلغاء الحدود كما ذهبت اليها النظرية الشيوعيةمثلا؛ انما يتبنون فكرة التقارب والتواصل بين بعضهم كما يتواصل عمومالمسلمين في موسم الحج مثلا. هذه الفكرة لا تسقط الوطنية عن الشيعي. ومن هنا تنطلق نظرية "الوطنية الشيعية" التي طرحها الحكيم فيمؤتمر الآفاق المستقبلية لاتباع اهل البيت (ع). مفادها ان الشيعي العراقييختلف عن الشيعي الآخر من ناحية التفاصيل الموجودة في دولته ووطنه،وهو يتبنى مصلحة وطنه التي يشترك بها مع غير الشيعي، بينما يرتبطويتفق الشيعي العراقي مع جميع الشيعة في العالم بالعقيدة وبجزء كبيرمن الهوية الثقافية.
إنّ تبني تلك النظرية والعمل وفقها، يساهم بشكل فاعل في إحداثالمصالحات الوطنية والتصالح الاجتماعي وتحقيق قبول الآخر فيالبلدان التي تعاني من تلك الاشكالية، فضلا عن كونها تلغي الانطباعالمزيف عن كون الشيعة يرتبطون بخارج الحدود او لا يؤمنون بالحدوداصلا.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat