البعد الروحي للطواف (24 )
السيد عبد الستار الجابري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد عبد الستار الجابري

الجانب الثالث الاثر الشخصي والاجتماعي للتكليف فان النظر الى الكعبة المشرفة بما يتضمنه النظر اليها من الكاشفية عن العلاقة الوجدانية بين الناظر والمنظور اليه حيث ينعكس ان النظر انعكاس عن عميق الحب والارتباط الذي ينطوي عليه قلب الناسك، فهو كاشف عن كل عما يخالج نفسه ويناغم وجدانه من استشعار عظمة الرب الذي سخر قلوب الاعداد الهائلة من البشر للحضور عن دالبيت الحرام لاظهر العبودية لله تبارك اسمه وهو يؤدون ما امروا به من منسك في ذلك الموضع المبارك، فنظر العبد الى البيت المقصو د منه التفكر في كرامة الرب من خلال ما نصبه من رمز شاخص ليكون طريقا لتوثيق العلاقة بين العبد وبين الرب، والتاكيد على عبودية الانسان الخالصة لربه وهو يتعلق بتلك الاحجار طائعا متذللا مستانسا راغبا راهبا.
هذا ما يعبر عنه بالسنة اساتذه الاخلاق قوس الصعود وما عبر عنه الكتاب العزيز ﴿اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه﴾ في العلاقة بين المربوب وربه التي طرفها العبد وما ياتي به من اعمال، وفي قباله ما عبروا عنه بقوس النزول الذي يكشفه افاضة الفيوضات الربوبية على العبد فيعمر قلب العبد بحب الرب ويتاصل في وجدانه محورية الواحد الاحد الفرد الصمد في مسير حياته، لتشكل تلك الرابطة انطلاقة جديدة لشخصية الانسان تنقله من واقع الى واقع اخر اسمى واعظم وارقى، يكون هدفه الاسمى وغايته القصوى القرب الى الله، فيتجلى في ساحة القلب طلب الاستفاضة من ساحة قدسه لما وعد في قوله ﴿ورضوان من الله اكبر﴾ .
فيفاض الكرم الرباني ويشرق نور قدسه تبارك اسمه على القلوب فياخذ كل منها بقدر فيستير كل منها بحسب استعداده وكدحه فيكون المسالك خائضا في بحر الكرامة الالهية، منتهلا من فيض الجود القدسي الذي لايحده حد ولا يمنعه عن العبد مانع الا كدر الظلمات النفسانية التي لم يجهد الانسان نفسه لتطهير قلبه منها، فالقلب ساحة تتناوب فيها كدورات الظلمة واراقات النور، وبقدر طهارة القلب تشرق الانوار فهو كالمراة العاكسة كلما زادت نقاء كلما زادت اشراقا عند اشراق الانوار عليها، فكلما كانت ساحة القلب اكثر طهرا كلما كانت اكثر استفاضة، وكما ان المراة كلما زادت ضبابية قل انعكاس النور فيها كذلك القلب كلما كان اكثر كدورة كلما كانت اقل حظا واقل اشراقا واستفاضة، ومن هنا يتجلى اهمية ما يتناقله اساتاذة الاخلاق من ضرورة التخلية أي تطهير القلب من ادران المعاصي والذنوب والابتعاد عن المكروهات ومساوئ الاخلاقلا، و اهمية التحلية أي تهيئة القلب لاستقبال الفيض الالهي بالطاعات واجبها ومستحبها والعمل بما تقتضيه مكارم الاخلاق، كي تتحقق التجلية فان من ادام العمل على تخلية قلبه من درن الخطايا وحلاه بحلاوة الطاعة تجلت في قلبه انوار الكرامة .
ومن هنا يتين ان المعاني التي ذكرناها في العبادة متحققة في النظر الى تلك البنية وتلك الاحجار التي اشادتها ارادة الرحمن واكف الانبياء الاطهار وتعلقت بها قلوب العارفين لتحقق اجابة دعوة ابراهيم (عليه السلام) ﴿واجعل افئدة من الناس تهوي اليهم﴾ فيتجلى فيها نور المعنى ليطهر القلوب من ادران حب الدنيا وظلمات المعاصي والذنوب.
فاذا تحقق ذلك الاثر الشخصي في الناسك عاد انسانا جديدا مؤثرا تاثيرا نوريا في ابناء بلدته ومجتمعه فيكون لبنة في بناء المجتمع الصالح، فصلاح المجتمع بصلاح ابنائه، وصلاح المجموع بصلاح الافراد، والعبد الصالح في امته كالنجمة في اللمعة في ظلمات الليل، وكالامل العذب في غياهب اليأس، وكشعاع النور في دجى الليل العميق.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat