صفحة الكاتب : عامر هادي العيساوي

كيف يخون العراقي وطنه ؟( 2)
عامر هادي العيساوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   يوم في مديرية مرور بغداد / الرصافة/موقع الضلال

لا أظنني أجافي الحقيقة اذا قلت بان اكبر الروافد التي تغذي مستنقع الخيانة في العراق وتساهم في حفر الهوة الساحقة بين المواطن والوطن وملء قلبه بالحقد والكراهية والازدراء واللامبالاة هو الدوائر الحكومية .ولا أجافي الحقيقة أيضا اذا قلت بان البعض من تلك الدوائر وهي قليلة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة تشعرك عندما تراجعها وهي تغمرك بالاحترام والمحبة بأنك إنسان من الدرجة الأولى وتنتمي إلى وطن من الدرجة الأولى ومجتمع من الدرجة الأولى وقد يصيبك الغرور والزهو فتختلط لديك المشاعر وتعتبر حسن المعاملة التي تلقيتها إنما هي مقدمة لك شخصيا لأنك تستحقها وليست سياقا عاما معمولا به 0 
وتحت عنوان (مادة دسمة للكتابة )دعاني صديقان لمرافقتهما من اجل انجاز معاملة نقل ملكية سيارة  بعد بيعها من قبل احدهما للآخر وذلك في مديرية مرور بغداد الرصافة (موقع الضلال ) ,لقد كان احد هذين الرفيقين مهذارا أي كثير الكلام وكان لا ينزعج حين ادعوه بهذا اللقب  أما الآخر فقد كان عاقلا هادئا خجولا 0 
(الخجول والمهذار وانا) توجهنا عند الساعة الرابعة صباحا من إحدى محافظات الوسط الى العاصمة بغداد ,وعند السابعة والنصف صباحا دخلنا شارعا عريضا مهجورا مليئا بالحفر والمطبات يقع بين شارع فلسطين وساحة النهضة  وهنا فتح المهذار إذاعته قائلا (لا ادري لماذا اشعر كلما دخلت هذا الشارع أني قد غادرت العراق ودخلت بلدا آخر عجيبا غريبا لا يخضع الى أي نظام ولم يسجل في هيئة الأمم المتحدة,ولا تعرف منظمات حقوق الإنسان أي طريق إليه , أسعار الاستنساخ فيه خمسة أضعاف أسعارها في بلادنا ,اسعارالمطعم الوحيد أضعاف أسعار مطاعم بلادنا ...انظرا الى هذه الكراجات إنها كانت بيوتا ثم هدمها أصحابها وهم لا يقبلون يوميا بمليون دينار ,اه لو أني امتلك احدها , كنت سأمضي بقية عمري في ماليزيا التي سأبدو في نظر نسائها أشقرا )0
أوقفنا السيارة في احد الكراجات (بعد أن دفعنا المقسوم مقدما ) وتوجهنا الى باب موقع الضلال حيث تفحص احدهم مقدماتنا ومؤخراتنا ثم سمح لنا بالدخول فوجدنا ساحة كبيرة مرصوفة بالاسمنت مما جعل الشمس أكثر إحراقا او (تزرف رأس العصفور ) كما يقول (المهذار) وتنتشر في تلك الساحة عدد من الكرفانات التي تصطف الناس أمام شبابيكها على شكل طوابير  مثل ( الشواذي ) 0او كأنهم في يوم حشر0 تركت الصديقين كليهما  طعاما للشبابيك ورحت أتجول في تلك القطعة من الأرض لعلي افهم شيئا مما يدور 0 
لقد اكتشفت في جولتي صنفين من الكائنات الأول داخل الكرفانات وقد ظهروا لي وكأنهم كائنات محنطة او آلية خالية من العواطف ولا تشعر بما يدور حولها ولا تبالي به حتى وان كان حريقا كالذي يكتوي به الواقفون في الخارج والى جانبهم رأيت أعدادا من الشباب من ذوي الرتب الصغيرة (ملازم ) بعضهم يقلد الايمو في ملبسه وبعضهم يقلد الأمريكان في قصات شعره ولم أر أحدا منهم يقلد آباءه وأجداده  يلوكون باستمرار لان( العلك) لا يفارق أفواههم ولم أجد تفسيرا لفراغهم التام سوى أنهم مكلفون بمراقبة (الروبوتات ) الأكبر رتبا وسنا ليتعلم كل واحد منهم كيف يصبح إنسانا آليا 0 
أما الصنف الثاني فقد كان مئات من الآدميين الذين انتظموا في طوابير طويلة تحت الشمس المحرقة وقد أوتي كل واحد مهم كتابه في شماله وقد تأكدت أنهم مصنوعون من لحم ودم فقد كانوا يتصببون عرقا ويتذمرون فقد سمعتهم يشتمون الحكومة والوطن والناس والمحسوبية والمنسوبية والرشوة والفساد الإداري والمالي والساعة التي ولدوا فيها والساعة التي اشتروا فيها سيارة او باعوها ولم يسلم آباؤهم وأمهاتهم  بل  وحتى عشائرهم من الشتيمة0 لقد كان (صاحبي المهذار ) يقول لؤلئك الشتامين كلما سمع احدهم يزمجر (يسمعك الكوز ) ثم يمضي 0
وفي حوالي الساعة الثانية والنصف ظهرا جاءني (المهذار )مسرعا وهو يهتف ( يحيا العدل لقد أنجزت المعاملة فتعال لتشهد فصلها الأخير ) ثم طاوعته الى حيث وجدت صاحبنا أمام احد الشبابيك وهو يقف وجها لوجه أمام رجل برتبة مقدم ثم نادي السيد المقدم باسم (مالك السيارة ) فبصم بإبهامه مرتين على احدى زوايا الاستمارة ثم نادى باسم المشتري الذي هو صاحبي الكثير الكلام واخبره بنقص احدى وثائقه الأصلية (بطاقة السكن )وانه سيؤجل بصمته الى حين جلبها وحين توسل  به تشاغل عنه بالأوراق التي أمامه وحين ألح تشاغل عنه بالحديث مع احد معيته 0وهكذا أقفلنا راجعين 0
وقد علمت فيما بعد أن الرجلين عادا من جديد الى مديرية المرور المذكورة وكانا أول الواقفين على شباك السيد المقدم ولكن قيل لهما بان عليهما الانتظار لان المقدم المذكور سيتأخر لساعتين ولكنه لم يأت ولن يأتي في ذلك اليوم فاضطرا بالتوسل بالسيد المدير من اجل إحالتهما الى ضابط آخر يتولى اخذ البصمات المطلوبة  وبعد إلحاح أحالهما الى رجل برتبة عقيد وقد كتب ملاحظته على ظهر الفايل ,وحين رأى العقيد تلك الملاحظة كاد يضربهما من شدة الغضب ورمى الأوراق في وجهيهما وقال لهما (قولا له أن يهمش على الاستمارة )0
عاد الرجلان الى السيد المدير فنقل هامشه الى الفايل من الداخل وعززه بختمه وتوقيعه ولكن السيد العقيد زاد غضبه وكادت الأوراق تتمزق من شدة عبثه بها ورميها في وجوههم فعادا من جديد الى السيد المدير الذي همش هذه المرة على الاستمارة  ورغم ذلك لم يهدا العقيد وباحتقار شديد نادى باسم (المهذار ) وهو المشتري واخذ بصمة واحدة من إبهامه ثم سحب الأوراق بشدة  وأمره بالانصراف فورا والمجيء بعد عشرة أيام علما انه لم يطلع على الأوراق الأصلية التي تأخرت المعاملة بسببها 0 واليكم هذه الملاحظة (لم أر في حياتي رجلا كالسيد العقيد يتمتع بقدرة عجيبة وطريقة عجيبة في إرسال موجات الإذلال والاحتقار والمهانة الى الشخص الماثل أمامه ولا ادري اين تعلم هذه الفنون ومتى !!؟)
وبعد عودتهما بعد عشرة أيام لاستلام وثيقة التسجيل فوجئا بان معاملتهما قد اختفت من الوجود اختفاء متعمدا على يد السيد العقيد الذي اتلفها كما يعتقدون وقد امضوا ذلك اليوم كله في البحث عنها ولكن دون جدوى رغم أن السيد المدير قد تذكرهما وتعاطف معهما , وأخيرا اضطرا الى إعادة المعاملة من جديد ابتداء من الشباك الأول وحتى الشباك الأخير 0
لقد التقيت صاحبي قبل أيام وهو يلوح بوثيقة التسجيل قائلا (لقد أصبح الآن باسمي سيارة من نوع كيا سبورتج تحمل لوحة العاصمة بغداد ولكني قررت أن أبيعها وأبيع كل ممتلكاتي وأسافر الى ماليزيا فلقد طابت نفسي من العراق )
وختاما كم من العراقيين من اكتوى بنار الإذلال والمهانة على رمضائك فعاد كافرا بوطنه يا موقع الضلال !!؟

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عامر هادي العيساوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/05/20



كتابة تعليق لموضوع : كيف يخون العراقي وطنه ؟( 2)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net