صفحة الكاتب : محمد  عبد الجبار الشبوط

الفقر نتيجة وليس سببا
محمد عبد الجبار الشبوط

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تسبب نسبة الفقر المرتفعة كثيرا والمتصاعدة باستمرار في العراق قلقا كبيرا لدى الجهات المعنية. وتشير الاحصاءات الرسمية الى ان ربع السكان يرزحون تحت خط الفقر، بمعنى أن دخلهم اليومي يقل عن 3.2 دولار أميركي أي ما يعادل نحو 4750 دينار عراقي.  وهذا يعني انه هناك ما لا يقل عن  9 ملايين مواطن فقير من اصل 41 مليونا، في بلد نفطي متوسط الثراء. كانت نسبة الفقر عام ٢٠١٩ قد بلغت 22.5 في المئة، وهذا يعني أن نسبة الفقر زادت ولم تقل.
ويورد الباحثون اسبابا لهذه الزيادة منها الحرب على تنظيم داعش، و فيروس كورون، و التغير المناخي علما أن العراق من أكثر دول العالم تأثرا بهذه الظاهرة اضافة الى الفساد المستشري بين السياسيين.
وهذه ايضا اسباب متوسطة بين الظاهرة و اسبابها الاعمق، والتي تتمحور حول تدني انتاجية المجتمع من جهة، وسوء التوزيع من جهة ثانية. وهذه بدورها تؤشر الى وجود خلل حاد في النظام الاقتصادي في البلد، ومنظومة القيم العليا الحافة به، والتي يمكن على اساسها بناء نظام تشريعي متكامل يضمن التكافل الاجتماعي على قاعدة "وفي اموالهم حق معلوم للسائل والمحروم". ويرى الفيلسوف الاميركي جون راولز في كتابه الشهير "نظرية في العدالة" ان من واجب المواطنين الاكثر ثراء اعانة الافراد الاكثر حرمانا في المجتمع. وهذا يحصل بموجب قوانين الضرائب التي تفرضها الدولة على الاغنياء لاعانة الفقراء. وهذا هو المبدأ الذي شرع الاسلام على اساسه ضريبة الزكاة، كما يذكر القران الكريم:"إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ، فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ،  وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ."وهذا مبدأ تاخذ به الدول الحضارية الحديثة على نطاق واسع. لكن الصدقات بحد ذاتها، وخاصة الصدقات الفردية التي يدفعها المحسنون بدافع الشفقة او الرحمة او الانسانية لا تكفي لحل مشكلة الفقر في المجتمع، لانها اكثر تعقيدا من مثل هذه الحلول الجزئية، وبدون الاقلال من المغزى الانساني العميق لهذه الحلول. ذلك ان حل اية مشكلة سياسية او اجتماعية او اقتصادية يجب ان يتم في النهاية على مستوى المركب الحضاري للمجتمع وقيمه العليا الذي يتحكم بالظواهر السطحية والخارجية له والتي تعتبر نتائج لهذا المركب الحضاري في حالة صلاحيته للاشتغال او في حالة اختلاله الحاد وفقدانه القدرة على الاشتغال المنتج والمثمر.
ونسبة الفقر العالية في العراق تشير حتما الى حصول اختلالات حادة في المركب الحضاري للمجتمع العراقي وخاصة في المجال الاقتصادي والمجال القيمي وبالتالي فان معالجة مشكلة الفقر لابد ان تتم من خلال معالجة الخلل في النظام الاقتصادي والنظام القيمي في العراق.
ويتمثل الخلل الحاد في النظام الاقتصادي العراقي، من بين امور كثيرة، في كونه نظاما ريعيا لا يشجع على روحية العمل الانتاجي بخاصة في العلاقة مع الارض، واستثمارها، والميل الكاسح لدى قوة العمل الى التوظيف في الدوائر الحكومية طمعا بالراتب المضمون والتقاعد وبقية المزايا التي يتمتع بها الموظف الحكومي. 
وحتى اصحاب النوايا الطيبة يركزون في تعاملهم مع مشكلة الفقر والفقراء على تقديم مساعدات عينية ونقدية للفقراء دون العمل على الحلول الانتاجية للمشكلة والتي تتضمن توفير فرص عمل انتاجية على مستوى الزراعة او الصناعة او التجارة او الخدمات للعاطلين عن العمل والفقراء. ولا شك ان هذه المساعدات تقدم دعما سريعا للفقراء لكنها لا توفر حلا جذريا للمشكلة. علما ان الحلول الجذرية ليست متوقفة على النشاط الحكومي وانما بمقدور النشاط الخاص ان يحل مساحة ملموسة منها


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد عبد الجبار الشبوط
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/10/11



كتابة تعليق لموضوع : الفقر نتيجة وليس سببا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net