ولائم (اللحم والطبيخ ) رغم المجاعة والتفخيخ
عامر هادي العيساوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لم تتعرض امة من الأمم في التاريخ الحديث كما تعرضت الأمة العراقية إلى ألوان عجيبة غريبة من الإذلال والنكبات والمصائب المتتالية ,فحين اشتعلت( قادسية صدام) استسلم العراقيون بقدرية مبالغ فيها إلى مصيرهم بعد أن ترسخ في أذهانهم أنها سوف لن تنتهي ولن يتوقف هدير مدافعها لذلك فإنهم والحالة هذه بين من سيقتل على جبهات القتال او يعدم في الخطوط الخلفية بعد إلصاق تهمة التهاون او الخيانة به ثم يتم تسليم جثته إلى ذويه بعد استيفاء ثمن الرصاصات التي اخترقت رأسه او جسده 0وبقدرة قادر انطفأت النيران فجأة ولكن قبل اندمال الجراح وتنفس الصعداء اشتعلت أم المعارك التي عرفت بمطحنتها الهائلة التي لاتشبع من الأرواح البريئة التي راحت تغادر أفواجا ومجانا ودون أن يكون لأصحابها ناقة او جمل فيما يجري 0
وفي أثناء كلا الحقبتين لم ينقطع نفر ضال من العراقيين ينسبه البعض ظلما مع الأسف الشديد الى رؤساء العشائر العراقية من اجل إسقاطها لم ينقطع عن تنظيم ولائم( اللحم والطبيخ) على شرف أعضاء القيادة والفروع حتى تكونت بمرور الزمن فئة عريضة من الكائنات التي لا تساوي إلا ما يخرج من بطونها لان كل همها ما يدخل فيها اوما يصلح أن يكون علفا لها مقابل الرقص والتزمير والتطبيل عند قدمي مزبان خضر هادي ومن على شاكلته0
ثم توقفت الحروب وسقط النظام المباد بالطريقة المعروفة للجميع وتوقع الشرفاء من العراقيين أن يختفي من حياتهم وثقافتهم أمران اختفاء أبديا أولهما السلاح والعنف الذي دفع بأبنائهم زرافات إلى القبور والثاني تلك الفئة القذرة التي ربما ستواجه انتقام الشعب او - إذا أراد أن يعفو - يتركها مهانة ذليلة صاغرة يلاحقها العار أينما حلت او ارتحلت ولا مكان لها في العراق الجديد فماذا حدث ؟
لقد كان الموت في الماضي ينال العراقيين عبر الرصاص والبنادق أما اليوم فقد أضيفت أدوات جديدة للقتل كالسكاكين والمناشير التي تستخدم في قطع الرؤوس او المفخخات التي لا تبقي رؤوسا ولا أجسادا ,أما فرق (حمدية صالح) وغيرها المتخصصة بتلبية كافة طلبات المسؤول بدءا من ولائم (اللحم والطبيخ) ومرورا بتلك التي يسبب ذكرها خدشا للحياء والتي توقعنا انهيارها فقد تضاعف عددها وزاد انتشارها وبورك نشاطها من قبل اغلب المسؤولين وراحت تنقسم على نفسها بعد توسعها إلى مجموعتين تبعا لاختلاف وظيفتهما الأولى اختصت بعقد الصفقات مع هذا النائب او هذا الممثل في مجلس المحافظة او هذا الحزب حيث تتقاضى الأموال مقابل تنظيم الوليمة أما المجموعة الأخرى فواجبها إحياء الاحتفالية بالأهازيج والدبكات والشعر مقابل الأكل, لقد سمعت احد المشهورين بهذه المهنة وهو يحدث صاحبه متمنيا في البداية أن يطول موسم الانتخابات فمنذ أكثر من شهر وهو يتنقل من وليمة إلى أخرى وقد وضعوا أمامه في آخرها نصف خروف وقد أكل حتى كادت تنفجر أذنه ولا ادري ماعلاقة المعدة وامتلائها بالإذن وانفجارها وهل اثبت علم الطب حقيقة تلك العلاقة؟ ,وبعد أن سكت قليلا ربت على بطنه وقال إننا مقبلون على عام دسم كامل الدسم سنقضيه على هذا المنوال ,وهنا سأله صاحبه عن هوية الناس الذين حضروا معه وعددهم فأجابه بضحكات عالية أعقبها بقوله (إن جميع الحاضرين هم أنفسهم يحضرون جميع الولائم التي تقيمها جميع الأحزاب وجميع المسؤولين على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم وأهوائهم )ثم أضاف (اكلاوات يا معود )0
إن حكاية هذا المخلوق التافه تذكرنا بحكاية حقول الأبقار التي قررت الجهات المختصة إنشاءها للمزارعين في العهد المباد عبر تسليفهم بعد إجراء الكشف ألموقعي على الحقول المنشأ ة والتأكد من وجود الأعداد المقررة من الأبقار فيها فلجا المزارعون إلى استجلاب الأبقار من بعضهم البعض وعرضها في حقولهم يوم الكشف ولم تنطلي هذه اللعبة على المختصين فقد قال احدهم وهو يضحك ( لقد رأيت هذه البقرة الصفراء في أكثر من ثلاثين حقلا أجريت الكشف عليها )