صفحة الكاتب : عبد الهادي البابي

بمناسبة تأسيس الصحافة العراقية ... أعطت الكثير ..ولم تأخذ حتى القليل ..!!
عبد الهادي البابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لاشك بأن مهنة الصحافة - منذ تأسيسها - هي مهنة الشقاء ومهنة المتاعب ووجع الرأس الذي جّرَ الويلات على الصحفيين الأحرار الذي صدعوا بالحق ونطقوا به ، فكان الثمن دمائهم وأرواحهم ووجودهم وشبابهم وعافيتهم التي حصدتها آلة الإرهاب والظلام ، وأغتالتهم أذرع التخلف الجهل !!

فهي في كل مكان ...وفي كل زمان ..ليس لها مكان محدد تلتقطُ فيه أنفاسها ، أو زمان تستريح فيه من تركاضها ، كل المكان ميدانها ، وكل الزمان عملها ، أنها في الخطوط الأمامية ، تحت جحيم القصف والأنفجارات ، وفي مقدمة الثوار الذين يصارعون الطواغيت ،ويدّكون حصون الدكتاتورية ، تنقل أخبارهم وصورهم أولاً بأول إلى الشعوب المتعطشة للحرية والعدالة والخلاص ..
أنها تخاطر بنفسها فتتسلل إلى الأماكن السرية التي تنتهك فيها حرية الأنسان ،وتدخل إلى السجون المرعبة التي ليس لها وجود على خارطة العالم ،والتي تمتهن فيها كرامة الأنسان ، فتنقل للعالم أجمع معاناته وعذابه ، وتفضح الأنظمة البوليسية المجرمة في كل بقاع المعمورة ..
أنها في مكتب المسؤول ، تحاوره ، وتحاصره بالأسئلة،وتناظره ، وتحرجه ،وتكشف له عن وجهه الحقيقي الذي أخفاه عن الشعب بوجه آخر  ، وتطالبه بتحديد موقفه من بعض القضايا الأساسية التي تهم الناس ومصالحهم !!
أنها تدخل إلى بيوت المحرومين والمعذبين والمنسيين ،تجلس بينهم وتستمع إلى معاناتهم وعذاباتهم ، وتنقل طلباتهم وآمالهم إلى حيث مصدر القرار والمسؤولية ..
أنها الحارس الأمين على حرية الشعب والأمة  ، والمدافع الأول عن حقوق الجماهير  والمعبر النزيه العادل لتطلعات أبناء الوطن بمختلف فئاته وأعراقه ،
أنها المدافع الأول عن شرف البلاد وعزتها وكرامتها إذا ما هوجمت أراضيها أو أنتهكت سيادتها ، وذلك من خلال حشد الجماهير فكرياً وثقافياً ومعنوياً ورفع درجات التعبئة  العامة إلى أقصى مدياتها !!
أنها تعمل دون كلل أو ملل ليلاً ونهاراً في مهنة شريفة وشرعية أسمها [ السلطة الرابعة ] التي خولها الشعب في الدفاع عنه في كل الميادين وتحت كل الظروف ..
أنها في المحاكم والدوائر الحكومية والجامعات وكل مرافق الدولة تراقب العمل وتستمع إلى الشكاوى وتدافع عن المظلومين  وتساعد المحرومين من خلال أيصال صوتهم بكل [أمانة وأخلاص] إلى مكاتب المسؤولين  ..
أنها الجريدة والمجلة والموقع الإلكتروني والنشرة والأمسية والمؤتمر الصحفي والتلفزيون والأذاعة وبقية قنوات الأعلام ، التي أصبحت اليوم هي حياة الناس ، بل هي أنفاس العالم كله ، وزاد العالم كله، ولذة العالم كله!!
ولكنها رغم هذه المسؤوليات الجسيمة التي تضطلع بها ، ورغم هذه التضحيات الواضحة التي تقدمها يومياً [ والتي لاتستطيع أن تقوم بها وزارات الدولة مجتمعةً]..إلا أن الصحافة في بلادنا لازالت في آخر الركب الطويل ، تجر جسدها المنهك من طعنات أعداء الحقيقة ،وهي لاتسمع في غربتها تلك سوى  عواء السنين في الليالي المظلمة ، ووحشة التهميش في طريق التعب والعناء ،تنتظر من ينصفها ، ويرفع المظلومية عن أبنائها ، فلا يوجد حتى الأن توجه جدي من قبل الحكومة لأنصافها وأحترامها ووقف التعديات والتجاوزات على المنتسبين إليها ، ولانجد مجلس النواب يسارع فيصدر المزيد من القوانين التي تحمي وتضمن حقوق الصحفيين وأعطائم المزيد من الحرية والتعبير عن الرأي كما يفعل في بعض القضايا التي هي أقل شأناً وأدنى أهمية من الصحافة !!وكأن هذه المؤسسة الجماهيرية الرقابية التي تّقوم الدولة وتصوغ ملامح سياستها وتفعل عمل مؤسساتها ، وترسم لها مستقبلها  ، وتساهم في بناء حضارتها ، كأنها  مجرد نكرة لاتستحق العطاء ، ولا تسترعي أنتباه الحكومة أو أعضاء البرلمان العراقي الذين ماصنعتهم ووضعتهم في مناصبهم وأعطتهم حجمهم إلا وسائل [ السلطة الرابعة ] !!
فإلى الآن لازال التسويف والمماطلة في منح الصحفيين أبسط حقوقهم التي كفلها لهم الدستور وأقرتها لهم المؤسسات الرسمية ، ولازالت النظرة المشوهة على أبناء السلطة الرابعة مستمرة من الجهات ذات العلاقة في بغداد وفي بقية المحافظات ، ولأن هذه الجهات لاتعرف مدى الأهمية التي تشكلها الصحافة في حياة الناس ، ولاتعى الدور الخطير الذي تلعبه الصحافة في أستقرار الأوضاع السياسية وتنمية القدرات الأدارية وأزدهار ثقافة التعبير وتحمل المسؤولية الجماعية ، وتأسيس ثقافة الوعي المجتمعي والمسؤولية الجماعية بين أفراد المجتمع ..!
فمتى تُرفع هذه الظلامة الكبيرة، وهذا الأجحاف المر ، عن الصحافة العراقية الأصيلة  ومتى تلتفت الحكومة والبرلمان بجدية وأجتهاد وبكل مسؤولية [وطنية وأخلاقية] إلى وضع الصحافة في نظر الأعتبار ،ووضعها في أولويات أهتمامها وأحترامها ،  أما آن لهم الآوان أن يعترفوا ويقروا بأن الصحافة قد أضحت اليوم بمثابة الرئة التي تتنفس من خلالها الشعوب حريتها وكرامتها ووجودها ؟ وإذا ما أرادت الحكومة والبرلمان أن لايعود العراق إلى عصور الجهل والظلام والكبت الأسود والأستبداد وإلى أزمان الدكتاتوريات المقيتة ، فعليها أن تسارع في إنصاف الصحافة ، ورفع الظلامة عنها ، وتقديم كل الأمكانات في سبيل تسهيل عملها ،وسن المزيد من القوانين التي تعطيها مزيداً من الحريات ومزيداً من الدعم الحكومي الذي تستحقه ، وحتى تكون هذه الحكومة وهذا البرلمان قد وضعوا اللبنة الأولى في أساس بناء دولة الحرية ، دولة الرأي الحر ، دولة الديمقراطية ، التي إذا ماأرادوها - حقاً ودون مزايدات - أن تكون مثالاً كريماً وطيباً يحتذى به بين دول  المنطقة والعالم ..   

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الهادي البابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/05/10



كتابة تعليق لموضوع : بمناسبة تأسيس الصحافة العراقية ... أعطت الكثير ..ولم تأخذ حتى القليل ..!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net