بناء المجتمع في دولة امير المؤمنين عليه السلام الحلقة الثانية
السيد عبد الستار الجابري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد عبد الستار الجابري

من يتتبع السير التاريخي لاحداث جزيرة العرب يكاد ان يطمأن في ان مجتمع الجزيرة في الفترة الممتدة بين ما بعد طوفان نوح (عليه السلام) وعهد النبي ابراهيم (عليه السلام) كانت عقيدة التوحيد هي العقيدة السائدة فيه، ويشهد لذلك سرعة قبولهم لدين النبي ابراهيم (عليه السلام) وامتثالهم لاوامره في الطواف حول البيت واداء مناسك الحج بعد ا ن رأوا باعينهم الكرامة الالهية في انباع ماء زمزم تحت قدمي اسماعيل (عليه السلام).
كما ان الاحداث التي تشير اليها حركة القبائل العربية بين اليمن والجزيرة وانتقال اهل اليمن تحت ظروف المجاعة وسوء الاحوال الاقتصادية الى جزيرة العرب وسكناهم مكة والمدينة ونزوحهم الى العراق وبلاد الشام كاشف اخر عن تلك الحقيقة، اذ ان القبائل التي سكنت الشام والعراق وهم الغساسنة والمناذرة كانت اخر ديانة اعتنقوها هي النصرانية على الرغم من اعتناق الفرس المجوسية واختلاف الديانات التي حلت بارض الشام من الوثنية الى اليهودية ثم النصرانية.
كما تشير الاحداث الى ان خزاعة بعد قهرهم لجرهم ادخلت الوثنية الى بلاد العرب ونصبت الاوثان حول الكعبة وتأثرت القبائل العربية الصحراوية بما قامت به خزاعة ودخل الشرك رويدا رويدا في معتقداتهم الدينية، في الوقت الذي كانت الديانات التوحيدية تحيط بالجزيرة العربية، حيث كانت اهل اليمن على النصرانية بعد ان كانوا على اليهودية، وكان الفرس مجوسا يعتقدون بالوحدانية وكان الروم نصارى، كما كانت جملة من القبائل العربية تعتنق الديانة النصرانية كقبيلة كلب ونصارى نجران الذين نزلت فيهم اية المباهلة، وكانت القبائل اليهودية موزعة بين اليمن ويثرب وبلاد الشام.
لقد كان للتغير العقائدي في جزيرة العرب والانتقال من التوحيد الى الوثنية مضافا الى الارث الاجتماعي المنتقل عبر الاجيال وللظروف الاقتصادية والامنية الصعبة التي كان يعيشها البدو واهل الحواضر في المنطقة اثر مهم في ظهور قيم واخلاقيات متأثرة كثيرا بطبيعة من له حق التشريع في منطقة اختفت فيها معالم الدولة وسيطرت عليها القدرات القبلية.
فاذا نظرنا الى المنطقة المحيطة بالجزيرة العربية نجد ان الشاميين والمصريين وعرب العراق تحكمهم قيم الديانة المسيحية في جانبها التشريعي العام، كما ان لكل مجتمع قيمه الاجتماعية الخاصة ومثلهم عرب اليمن، اما عرب الجزيرة فانهم لا يرجعون الى دين له نظم تشريعي حيث انهم تركوا دين الحنيفية واعتنقوا الشرك، فاصبح ما ينظم امورهم القوانين والاعراف التي يصدرها زعامات القبائل والتي اصبحت عرفا ساريا بعضه مأخوذ عن الحنيفية وبعضه فرضته الظروف العامة التي حكمت تلك القبائل.
ففما ساد بينهم من اعراف ذات اصول دينية تقبيحهم للزنا والظلم والتعدي واقراء الضيف واغاثة الملهوف والحج الى البيت الحرام وتعظيم الاشهر الحرم وغيرها من القيم الروحية والاخلاقية التي تنسجم مع الدعوة الالهية الى العدل الاجتماعي والانصاف ومكارم الاخلاق.
وكان لغياب الشريعة وحاكمية الزعامات الاثر الكبير في سن اعراف وتقاليد متفاوتة بين القبائل والتي منها غزو القبائل للقبائل الاخرى واستعباد نسائها وصبيانها وقتل رجالها ومصادرة اموالها، ودفن البنات هربا من صعوبات الحياة وخشية العار فيما لو وقعن اسارى في ايدي الغزاة، والزواج من زوج الاب بعد موته وشرب الخمر وشيوع الربا والزنا في اوساط المجتمع والتعدي على حقوق الاخرين المالية والنفسية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat