الشاعر رامي أبو صلاح، هو شاعر فلسطيني معاصر، صغير السن كبير الحضور في ساحة الشعر، كما عرّفته ويكبيديا – وهو أصغر شاعر فلسطيني تم اعتماد اسمه كأحد شخصيات الشعر فيها – هو شاعر وأديب وملحن ومترجم فلسطيني، ولد في مدينة جنين عام 1988. يتقن ثلاث لغات غير العربية ومنها الإنجليزية و الإيطالية و العبرية( ).
شاعرنا موسيقي، ولا ريب أن يبدو ذلك جلياً من خلال اختياره بحور الشعر ذات الإيقاع الموسيقي المنتظم، كالكامل والمتدارك والهزج، وقد لاحظت استخدامه لهذه البحور أكثر من غيرها في دراستي لبعض أعماله الأدبية.
إن قارئ شعر رامي ومتابع مقابلاته وأسلوبه الأدبي في قصيده يلاحظ جلياً أن نزار يتكرر، وأن التأثر العظيم الذي يبدو في شعر رامي بنزار يجعلنا نتأكد تماماً أن هناك رابطاً روحياً بين الأعمال الأدبية التي قدمها الشاعر الكبير نزار قباني وبين ما يقدمه المبدع الشاب رامي أبو صلاح( ).
عندما قال نزار قصيداً بلسان المرأة، فقد أظهر للناس قدرة عالية على فهم المرأة وقراءة نفسها، وهذا هو ما تكرر من خلال الشاعر رامي أبو صلاح، والذي أصدر مجموعة شعرية بعنوان (هكذا هي قالت) وهي تحتوي مجموعة قصائد على لسان حواء( ).
خلال هذه الدراسة، سأعمد إلى دراسة نفسية نقدية مبسطة لقصيدة نظمها الشاعر، والتي يخاطب فيها شعر ليلى، ويقصد بها ليلى العامرية، وهنا استخدم أسلوب الكناية عن حبيبته باسم ليلى العامرية وقصتها لينقل فكرته بأسلوب شعري رائع، ويلفت انتباه القارئ إلى مبتغاه دون إشارة مباشرة منه للقارئ.
يستهل رامي قصيدته بالقول:
يا شَعر ليلى ...
وهو مقطع شعري تكرر كثيراً في القصيدة، ومع أن تكرار مثل هذه الجمل يضعف البنية اللغوية للقصيدة، إلا أنه استطاع وبسلاسة أن يدخلها إلى النص دون أي تشويش إيقاعي في بنيتها، وحتى دون أن يلفت انتباه القارئ إلى مثل هذا التكرار.
ينتقل الشاعر بعد ذلك ليسأل هذا الشعر الذي خاطبه، قائلاً:
يا شَعر ليلى
هل تُراكَ تحبّها
مثلي تُقبّلُ فجأة شفتيها؟
يسأل شَعر ليلى، إن كان يحبها مثله، ويقبل على حين غرة شفتيها، وهي لحظة جميلة يصفها الشاعر بأسلوب أدبي دقيق، إذ أدخل الصدفة في القبلة، وهو أجمل ما فيها.
يا شَعر ليلى ...
هل تقول الشِّعر فيها
مثلما شِعري يفيضُ مُغازلاً خديْها؟
يسأل الشاعر أيضاً شَعر ليلى إن كان ينظم فيها الشِّعر مثلما يفعل هو، فيغازل به خديها، وهنا أظنه استخدم الخدين كناية عن الوجه، وكناية عن قربهما من شعرها. ثم
قل لي إذا يوماً نزلتَ بصدرها
ورميتَ نفسكَ هائماً
ترجو رحيق الحبِّ من نهديها؟
تبدأ مرحلة الإيحاء الجنسي لدى الشاعر، وهنا أبداه بأسلوب يجمع بين صراحة اللفظ وجودة السبك، فهو يصف نهديها بزهرتين، يطلب منهما رحيقَ الحبّ، ولم ينسَ الشاعر أن يتدارك إيحاءه الجنسي باستخدام كلمة "هائم" ليدل على أنه في تلك اللحظة دخل مرحلة اللاوعي حتى صار لا يعي ما يفعل.
ويتابع الشاعر خطابه الخيالي، إذ يسأل شَعر ليلى عن مجنونها، وهنا جعل الخطاب موجهاً لشعرِ ليلى العامرية، وقصد بمجنونها (قيس بن الملوح)، وهذا ما يبدو ظاهرياً، بينما أظنه في الواقع إيحاءً من الشاعر إلى شعر ليلى ليخبره إن كان يرى مجنونها – أي هو – الذي يهيم بها، ويسأله إذا ما كان لا يزال يمضي ليله ساهراً مشغولاً بنظم القصيد الذي يجد منبعه إذا التقى عيني هذه الفتاة، فقد وصفها هنا بمصدر الإلهام له، وهو أسلوب انتقال رائع يجعل القارئ يتدارك نفسه سريعاً ليلغي الاحتمال الأول (بأن يكون المقصود بقوله "مجنونها" هو قيس)، فقد قال:
يا شَعر ليلى ...
هل ترى مجنونها؟
أتراهُ ما فتئ الليالي ساهراً
يجد القصيدَ إذا التقى عينيْها؟
يستمر الشاعر في خطابه، وهنا تبدأ مرحلة نقل الكلام، إذ يطلب الشاعر من شَعر ليلى أن يكون وسيطاً بينهما، فيقول لليلى أن هذا العاشق الهائم (أي شاعرنا) قد وجد الدفء (أي الحب والعطف والأمان والحنان) بين يدي محبوبته، ولربما في هذه الجملة إيحاء إلى العناق بطريقة غير مباشرة، وما يؤكد ذلك وصفه لنفسه بالطفل، وهنا وقف الشاعر في وجه القارئ الذي قد يظن سوءاً بعناقه لحبيبته، فهو "طفل" ولا يصدر عن الطفل إلا كل البراءة، وأظنه في هذا الجزء من القصيدة، ألغى الإيحاء الجنسي الذي كان ذكره في بداية قصيدته، فهو طفل إذا نظر إليها وليس على الطفل حرج أن يفعل ما يشاء، وذلك في قوله:
يا شَعر ليلى ...
قل لها أني وجدتُ الدفْءَ
بين يديْها
قل إنّ في قلبي الطفولة كلها
كالطفل أبدو إن نظرتُ إليْها
يؤكد الشاعر نيته الصادقة في الجزء التالي حين يقول:
يا شَعر ليلى ...
كيف يقطفُ زهرةً
من يزرعُ الأزهار
يسقيها ... يخافُ عليها؟
كيف الذي رسم الحروف قصيدةً
يأتي بحرفٍ قد يسيء إليها؟
فكيف بمن يزرع الأزهار أن يقطفها (أي كيف بالذي يحب أن يفكر بأسلوب فيه كل هذا الإيحاء الجنسي)، وهو هنا يريد أن يقول للقارئ أن ما ظننت به كان خطأ، فأنا لا أفكر بها أكثر من كونها مصدر حنان، ويتجلى جمال هذه الفكرة في الاستخدام الرائع للصورة الأدبية وما أجله من تعبير حين يصف الشاعر حبيبته بالقصيدة التي نقحها، ونظمها على أكمل وجه، فكيف به الآن أن يأتي بحرف يكسر وزنها ويسيء إلى جودة صياغتها؟!
يكمل الشاعر قصيدته، متنقلاً بأسلوب مميز ليصف وضعه الغرامي مع "ليلاه"، فيقول:
يا شعرَ ليلى ...
إنني أحيا بلا قلبٍ
فقلبي عندها
لا أرتجي إلا هواي يعيشُ في قلبيْها
ولكن، هل هي تملك قلبين؟ ولماذا استخدم اللفظ "قلبيها"؟
لعل القارئ الذي يتأمل جيداً يلاحظ ما بدأ به الشاعر، فهو يقول "إنني أحيا بلا قلبٍ، فقلبي عندها"، وهنا يبدي الشاعر لنا سبب استخدامه أسلوب التثنية لوصف قلبي ليلى، فالقلب الأول قلبها الموجود داخلها، وقلبها الثاني ذاك الذي خرج من الشاعر ورحل إليها، وكم هو جميل هذا الوصف الرائع.
أجمل ما في القصيدة انتقالاتها بأسلوب لا يجعل لدى القارئ أي إحساس بالانكسار في التسلسل القصصي، ومع أن المواضيع غير مترابطة، إلا أن الشاعر يجمعها من خلال توجيه الخطاب إلى "شعر ليلى"، فالشاعر الآن يعاتب شعر ليلى ولا يظنه يتصف بالإنصاف، فكيف لهذا الشعر أن يعانقها دائماً، بينما شاعرنا لا يحظى بذلك إلا قليلاً؟! ويبدو ذلك في قوله:
يا شَعر ليلى ...
لا أظنكَ منصفاً
وأراكَ مثلي هائماً
تمضي الحياة معانقاً كتفيها
ويبدأ الشاعر مرحلة من التفكير الشرقي،؟ وإيضاح رأيه في نفسه وتأكيده على كونه رجلاً ذا تفكير شرقي، فهو غيور جداً، حتى إنه يغار من ضفائر شعرها، ولربما إذا غضب كثيراً وأثرت عليه الغيرة "يقص" كل ضفيرة منحت شعرها حقاً بالاقتراب إليها أو معانقتها:
يا شعرَ ليلى ...
كيف تنسى أنني
شرقيُّ وغيورٌ أخاف عليها؟
ولربما آتيك يوماً غاضباً
وأقص كلّ ضفيرةٍ
منحتك حقّ الاقترابِ إليها
ختام القصيدة كان مميزاً، انتهت بأسلوب رائع لا يدع للقارئ أي مجال للتوقعات، ولا يدع أي مجال للشك في تفكير الشاعر بمحبوبته أو حبه لها.
هي قصيدة راقت لي كثيراً وأحببت أن أقدم دراسة بسيطة لها، وأتمنى أن تنال القبول والرضا.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat