الجهاد الأكبر.. جهاد النفس
محمد عباس الحلي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد عباس الحلي

إن أكبر وأصعب امتحان كتبه الله تعالى على الإنسان في هذه الحياة، هو ابتلاء الإنسان بنفسه، وعلى أساس نجاح الإنسان وتفوقه في هذا الامتحان، يكون موقعه عند الله، ومستقبله الدنيوي والآخروي، ومن هنا كانت المعركة مع النفس أشق وأخطر معركة يخوضها الإنسان في حياته .
فهي معركة حتمية لا خيار لأحد فيها، ولا يُستثنى احد منها حتى الأنبياء والاوصياء والأولياء، واذا كان الانسان يستطيع اجتناب المعارك والصراعات مع الآخرين بطريقة أو أخرى، فانه لا فرار له من معركته مع نفسه، وهي معركة دائمية مساحتها طوال عمر الإنسان منذ أن يدركه الوعي والى أن تفارقه الحياة، ويحصل أن يكسب الانسان المعركة ضد نفسه طيلة حياته، ثم يخسرها في اللحظات الأخيرة من عمره..!!
كذلك فإنها معركة شاملة تستوعب كل جوانب حياة الإنسان، ومختلف شؤونه، وتمتد إلى جميع الزوايا والتفاصيل، فكراً واحساساً، وعملاً وقولاً، واشارة وصمتاً، فالأهواء والشهوات النفسية هي أخطر ما يهدد سلامة معتقد الإنسان وأفكاره، وصحة مشاعره واحاسيسه، وصدق أقواله ومواقفه، واستقامة تعامله وعلاقاته.
والأدهى من كل ذلك، قوة الارتباط وشدة العلاقة ووثاقتها بين الإنسان ونفسه، فالنفس أقرب شيء للإنسان، وهي متداخلة معه وملتصقة به، وكم هو صعب أن يتداخل الإنسان مع عدوه، لكل ذلك تصبح المعركة مع النفس أخطر معركة، ويصدق تماماً ما قاله رسول الله (ص) من أن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر، وهذا ما تؤكده النصوص التالية:
قال تعالى: «وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى {40} فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى» {النازعات/41}.
فالمنتصر على نفسه في معركته الحتمية الدائمية الشاملة معها يستحق الجائزة الكبرى وهي الجنة، والوصول إلى الجنة يستحق من الإنسان كل ذلك التعب والمشقة والعناء.
ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: إن رسول الله (ص) بعث سرية، فلما رجعوا قال: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر، وبقي عليهم الجهاد الاكبر، قيل: يا رسول الله، وما الجهاد الاكبر؟ قال: جهاد النفس، ثم قال: أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه(1).
ولعل الفقرة الاخيرة إشارة إلى احد جوانب خطورة المعركة مع النفس وهو التداخل والالتصاق الذي تحدثنا عنه، فهو عدو داخل الإنسان وبين جنبيه..!
وعن الامام علي (عليه السلام) قال: «صلاح النفس مجاهدة الهوى»(2).
ويتحدث الامام علي (عليه السلام) عن بعض التكتيكات في المعركة مع النفس قائلاً: «اذا صعبت عليك نفسك فاصعب لها تذل لك، وخادع نفسك عن نفسك تنقد لك»(3).
فعلى الإنسان أن لا يهزم بسرعة امام صعوبة المعركة، ولا ان يستجيب لخداع العدو، وبصموده تنهزم اهواء النفس وتنهار ذليلة خانعة، وبوعيه يفوت الفرصة على الاغراءات وبخدعها، وبذلك ينتصر ويحد الانسان من شرور نفسه بمجاهدة نفسه الأمّارة بالسوء، والحمد لله رب العالمين.
________
1- بحار الأنوار: ج٧٠/ ص٦٤.
2- ميزان الحكمة: ج١٠/ ص ١٤٣.
3- نفس المصدر.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat