أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ التَّاسِعةُ (٣٠) وَالأَخيرة
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر

{قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
هذهِ الآية الكريمة تتحدَّث عن حالةِ استجابةٍ إِلهيَّةٍ لدُعاءِ النَّبي مُوسى (ع) عندما دعا ربَّهُ بقولهِ {وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَارَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}.
هو دُعاءُ نبيٍّ على طاغُوتٍ بالهلاكِ.
يقولُ المُفسِّرون أَن الـ [قَدْ] هذهِ لم تكُن فَوريَّة وإِنَّما دامت [٤٠] عاماً حتى تحقَّقت الإِستجابةِ!.
لِماذا؟! هل لعجزٍ سماويٍّ والعياذُ بالله، وأَنَّ أَمرَ الله تعالى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}؟! أَم تردُّداً؟! أَم ماذا؟!.
إِنَّ طبيعة البَشر أَنَّهم مُستعجِلُون {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ} و {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} و {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ۖ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْتُرْحَمُونَ} فيتصوَّر أَنَّ الله تعالى كذلكَ يلزَم أَن يستعجلَ في الإِجابةِ إِذا دعوناهُ وفي قصمِ ظهرِ الظَّالمِ إِذا طغى وتجاوزَ حدَّهُ، ويستعجِل في الأَخذِ بحقِّ المظلُوم إِذا اعتدىعليهِ الظَّالم وفي قطعِ يدِ الفاسدِ والسَّارقِ إِذا مدَّ يدهُ على المالِ العامِ وفي فضحِ تُجَّار الدِّين والمُقدَّس إِذا أَظلَّوا الرَّأي العام وهكذا، إِلَّا أَنَّ الرَّد القُرآني على استعجالِناهوَ {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ}.
كَيف؟!.
أَوَّلاً/ لقد شاءَت الحِكمة الإِلهيَّة أَن يكونَ لكُلِّ أَمرٍ موعدٌ لا يَعرِفُ سرَّهُ وكنههُ وفلسفتهُ إِلَّا هو {قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا} و {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} و{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} و {وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّاظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا}.
ثانِياً/ كما شاءَت الحِكمة الإِلهيَّة أَن لا يكونَ الأَخذ عن ضعفٍ ظاهرٍ عندَ المأخوذِ ليُبرِّرهُ النَّاس، بل أَنَّهُ لا يتُمُّ إِلَّا في اللَّحظةِ التي يكونُ فيها [فرداً كانَ أَو جماعة (أُمَّة)] في [قِمَّة] الكسْب ليتبيَّن لكُلِّ ذي عَينٍ بصيرةٍ أَنَّ هذا الأَخذ إِلهيٌّ حصراً.
يقُولُ تعالى مُتحدِّثاً عن هذهِ الحقيقةِ {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} و {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِالدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْنَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
ثالثاً/ وإِنَّ من الحكمةِ الإِلهيَّةِ أَن يكونَ العقابَ ثمنٌ يدفعهُ المُخطئ والمُذنب، خاصَّةً عندما يكونُ الذَّنبُ اجتماعيّاً، فلا عفوَ قبلَ القَصاص ولا تجاوُزَ عن مُسيءٍ قبلَ أَنيدفعَ الثَّمن، ليتعلَّم المُجتمع معنى المسؤُوليَّة، ويتصرَّف الفرد فيهِ بمسؤُوليَّةٍ عاليَةٍ، فلو تمَّ الإِستخفاف بالعقوبةِ وكانَ التَّجاوز في كُلِّ مرَّةٍ سهلاً يسيراً فسيفلِت المذنبُونَوالفاسدُونَ من العقابِ بسهولةٍ ويُسرٍ، وبالتَّالي لكثُرت مشاكِل المُجتمع وحالات التَّجاوُز، ولذلكَ تُلاحظ أَنَّهُ كُلَّما كانت العقُوبة مُشدَّدة في أَمرٍ ما كُلَّما قلَّت استهانةِ المُجتمعِبه، كما هو حال قوانين المرور مثلاً.
تعالُوا نقرأ الآيات القُرآنيَّة الكريمة التَّالية ونتدبَّر بها؛
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} {يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَصِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ۗ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} و {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَبِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
رابعاً/ ومِنَ الحكمةِ الإِلهيَّةِ أَن جعلَ التَّأخيرُ في الأَخذِ بلاءً واختباراً وامتحاناً، ليسَ للمُستدرَجِ فقط وإِنَّما لغَيرِ المُستدرَج كذلكَ، للأَوَّل كفُرصةٍ للتَّوبةِ وللثَّاني لاختبارِصبرهِ وتحمُّلهِ وهوَ أُسلوبٌ لصقلِ الشخصيَّة وبناءِ الذَّات.
يقولُ تعالى {مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِوَرُسُلِهِ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} و {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّالِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ}.
وبالفِتنِ يُمتحَنُ صبر الإِنسان الفَرد والإِنسان المُجتمع {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ۗ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةًأَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا}.
خامساً/ وإِنَّ أَعظم النَّجاح عندما ينهَض المرءُ بعدَ الإِختبار {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} وعندمايكونُ ردُّ فعلِ المَرء أَو المُجتمع على كُلِّ تحدِّي خاصَّةً في ظِل الحربِ النفسيَّة وحربِ الشَّائعات بمزيدٍ من الإِستعداد لتجاوزِ المرحلةِ {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْجَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat