العراق الماضي والحاضر وافاق المستقبل (18)- تمدد الارهاب الى العراق واندحاره
السيد عبد الستار الجابري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد عبد الستار الجابري

اصبحت سوريا منذ 2011 ساحة للصراع بين مختلف القوى السياسية والقومية والطائفية والدولة المركزية وجندت لهم قطر والسعودية والامارات كافة المرتزقة الذين قاتلوا في افغانستان ضد الاتحاد السوفيتي ومن الشيشان ومن الدول الاوربية فضلاً عن المتطرفين العراقيين السنة والسنة العرب من مختلف البلدان العربية، وكان لتنظيم القاعدة الدور الابرز في الساحة السورية – العراقية.
لم يقتصر الامر على سوريا بل كان التقدم الكبير الذي احرزته القوى الظلامية في سوريا له انعكاس كبير على الواقع الامني والسياسي في العراق حيث تصاعدت وتيرة الاعتراض على حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي وتصاعدت النبرة الطائفية لدى رجال الدين والعشائر السنية وابتدأت منصات الفتنة في مدينة الرمادي والفلوجة وانتشرت منها الى باقي المنطقة السنية، حيث جمعت منصات الاعتصام رجال دين وسياسيين وبرلمانيين، وكانت الدولة تمنحهم الحماية بناءً على حرية التعبير، واستغلت تلك المنصات استغلالاً كبيراً من قبل شيوخ الفتنة وتنظيم القاعدة وتوج نشاطهم بسقوط الموصل على يد القوى الارهابية التي حملت مسمى الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام – داعش - والتي نادت بابي بكر البغدادي خليفة للدولة.
وفي غضون ايام قلائل تمكنت القيادة الداعشية والحاضن السني من التمدد من الموصل الى محافظات صلاح الدين والانبار وديالى بحيث لم يبق من تلك المناطق بعيداً عن سلطة عصابات داعش سوى مدينة حديثة في الرمادي التي رفضت الاستسلام لداعش وحمل ابناؤها السلاح دفاعاً عن مدينتهم ومدينة امرلي الشيعية التركمانية من توابع محافظة صلاح الدين، ومدنية بلد الشيعية العربية في محافظة صلاح الدين ايضاً، وانتفضت مدينة العلم في صلاح الدين ضد عصابات داعش وكذلك ابناء مدينة الضلوعية من عشائر الجبور في محافظة صلاح الدين ايضا ومدينة الدجيل التي تسكنها العشائر الشيعية العربية ومحيطها من العشائر السنية العربية، ومدينة التاجي التي تقع في اطراف بغداد، وسارع ابناء الجنوب الى حماية الحضرة العسكرية المقدسة من السقوط بايدي العصابات التكفيرية، فيما وصلت القوى التكفيرية الى اطراف مدينة ابو غريب التي تقع في اطراف بغداد من جهة محافظة الانبار.
كان سقوط الموصل حدثاً مدوياً كشف عن الخلل الكبير الذي كانت تعيشه القوات الامنية العراقية والروح الخيانية التي كانت لبعض القيادات العسكرية، وانهيار الواقع الامني في المدن ذات الاغلبية السنية، وتنمر القوى التكفيرية وظهرت الضغائن التي تكنها بعض العشائر السنية لابناء الشيعة والتي كان ابرز مظاهرها الجريمة الكبرى التي ارتكبتها عشائر محافظة صلاح الدين بحق الجنود الهاربين من معسكر سبايكر والتي اعدم فيها اكثر من 1700 شاب من شباب الشيعة على يد ابناء العشائر السنية ودفن بعضهم في مقابر جماعية والقيت جثث القسم الاكبر منهم في نهر دجلة.
وعلى خلفية سقوط الموصل اصدر سماحة اية العظمى المرجع الديني الاعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله فتواه الخالدة في الخامس عشر من شعبان 1415 بالجهاد ضد القوى الظلامية للدفاع عن الارض والانسان والمقدسات، فاندفع ابناء الشيعة كالسيل الجارف من المحافظات الجنوبية البصرة والعمارة والناصرية والسماوة والديوانية والكوت والحلة والنجف وكربلاء وابناء المناطق الشيعية في بغداد فضلاً عن ابناء الشيعة في المناطق التي كان داعش على اطرافها كديالى، وسطروا اروع الملاحم خلال ثلاث سنوات من مقارعة داعش حتى هزموهم واخرجوهم من المدن السنية التي وقعت تحت سيطرتهم فحرروا الارض واعادوا الكرامة لانباء العراق فيما هرب دعاة الفتنة الى كردستان والاردن واخذت قنوات الفتنة تبث سمومها طيل فترة الصراع، وكان لكثير من السياسيين السنة دوراً سلبياً حيث كانوا يمثلون غطاءً رسمياً للحركة السنية المناهضة للدولة العراقية والتي اتخذت من الارهاب نهجاً لضرب الواقع الجديد في العراق.
ش عبد الستار الجابري, [١٥/٠٤/٢٠٢٢ ١٠:٥٨ م]
استمرت الحرب على الارهاب في العراق ثلاث سنوات قدم فيها ابناء الشيعة فلذات اكبادهم واموالهم في سبيل حفظ كرامة شعب العراق ووحدة اراضيه، وكان لقوات الحشد الشعبي والفصائل المنضوية تحت لواءه الدور الكبير في تحقيق الانتصار الكبير وقد ابلى علماء الدين الشيعة بلاء حسناً في النهوض بالواجب الجهادي حيث كانوا حاضرين في جبهات الجهاد الى جنب المقاتلين الذين استجابوا الى فتوى الجهاد فكان ما قاموا به تكراراً واقعياً لتصدي الشيعة للاحتلال الانجليزي للعراق عام 1914 والبطولات التي قادتها عشائر الشيعة في ظل قيادة المرجعية عام 1921 التي ارغمت الاحتلال البريطاني على التخلي عن فكرة الادارة المباشرة للعراق، وكما ان الشيعة هم عصب الحراك في هاتين المعركتين العظيمتين فكذلك كانوا هم عصب الحراك في صد القوى الظلامية التي كانت تدعمها الفتاوى السنية في العراق والخليج وخاصة السعودية وقطر، لقد تصدى شيعة العراق تحت لواء فتوى السيد السيستاني دام ظله الى كل قوى الشر الارهابية.
وليحفظ لكل ذي حق حقه فقد كان لايران دور مشرف على صعيد دعم العراق بالسلاح والخبراء وكان على راسهم الشهيد الجنرال قاسم سليماني والشهيد حميد تقوي، كما كان لحزب الله اللبناني دور مهم في الدعم اللوجستي وارسال الخبراء وتدريب المقاتلين العراقيين، فاسهمت الجبهة في العراق في تخفيف حدة القتال في سوريا اذ اصبحت قوى التكفير الظلامية تقاتل على جبهتين جبهة العراق وجبهة سوريا، فكان ذلك سببا مهما في دحر تلك القوى الجائرة وتوجيه ضربة قاصمة لها، وكعادة امريكا في حفظ بؤرة توتر دائمة اوجدت مناطق امنة للفلول المتبقية من عناصر داعش في وادي حوران بين العراق وسوريا وحددت مناطق تشرف عليها امريكا مباشرة ولا تسمح للقوات العراقية والطيران العراقي وكذلك للقوات السورية والطيران السوري بالتحليق في تلك المناطق والحال نفسه يجري في جبال حمرين التي تحظى بحماية جوية امريكية، للاستفادة من تلك الجيوب في التاثير السلبي على الواقع الامني العراقي والسوري حسب مقتضيات المصلحة الامريكية، كما عملت ذلك في افغانستان بعد اسقاط حكومة طالبان الاولى حيث تمركز الطلبان في الجبال الوعرة، وبعد ان اقتضت مصلحة امريكا الخروج من افغانستان عام 2022 اعادت الطالبان الى الحكم مرة اخرى، فكذلك امريكا تحتفظ بفلول داعش في مناطق معينة في العراق وفي سوريا وبين البلدين للاستفادة منهم في الوقت المناسب.
على الصعيد السوري تغيرت نغمة قوى العدوان الدولي والاقليمي بعد ان حقق النظام السوري انتصارات كبيرة على قوى الظلام والتكفير بالتفاف القوات المسلحة والمواطنين السوريين حول قيادتهم اضافة الى الدعم الكبير الذي قدمه حزب الله والفصائل الشيعية العراقية والدعم المالي واللوجستي الذي قدمته ايران مضافاً الى دخول روسيا على خط المواجهة والدعم السياسي الصيني، فبعد ان كانت القوى الدولية والاقليمية تنادي باسقاط نظام الاسد تغيرت النغمة الى القبول بنظام الاسد شريطة عدم اشتراك بشار الاشد في العملية المستقبل السياسي السوري، وبعد ان تحققت انتصارات اكبر على الارض انخفضت المطالبات الى قطع العلاقات مع ايران وحزب الله مع القبول بالاسد في العملية السياسية السورية، وبعد تقدم اكبر على الارض قبلت امريكا والدول الاوربية بالتعاطي مع بشار الاسد وتبعتهم الدول العربية الراعية للارهاب في ذلك فكانت اول خطوة من الامارات التي اعلنت عن استعدادها لفتح سفارتها في سوريا.
اثبتت التجربة السياسية في العراق وسوريا واليمن فضلاً عن ليبيا ان الدول العربية والجامعة العربية وبالدرجة الاولى السعودية والامارات وقطر ومصر والاردن مضافاً الى تركيا ليست سوى ادوات بيد امريكا واوربا واسرائيل، وان دول الخليج هي الممول الاول لسياسيات المحور الامريكي وان الدور التخريبي الدموي لها في سوريا والاردن والعراق وليبيا وتونس ومصر وان تاريخ الانظمة العربية يكشف عن ماهيتها وحقيقتها وان تلك الدول عملها الاساسي تنفيذ المخططات الامريكية في المنطقة ودفع تكاليف الحماقات الامريكية والغربية على الاراضي العربية والاسلامية خدمة للمشروع الامريكي الاسرائيلي في منطقة الشرق الاوسط، وان التبجح بالاسلام والقومية العربية ليس سوى دعاية اعلامية لاستغفال الشعوب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat