صفحة الكاتب : السيد عبد الستار الجابري

العراق الماضي والحاضر وافاق المستقبل عبد الستار الجابري (14) الدور الاقليمي والدولي في العراق عبر التاريخ (سوريا1 )
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بلاد الشام التي تضم سوريا ولبنان وفلسطين والاردن في التقسيمات السياسية اليوم كانت منذ ظهور المجتمعات البشرية منطقة التلاقي والصراع، فعند ظهور الممالك القوية في بلاد وادي الرافدين ومصر كان نفوذ تلك الممالك يمتد الى منطقة بلاد الشام لما لها من اهمية باعتبار موقعها التجاري الرابط بين الشرق والغرب فهي تقع في قلب المنطقة الرابطة بين الدول التي قامت في حوض وادي الرافدين كاوروك واشور وبابل التي مدت نفوذها شمالاً نحو سوريا وقبرص وبلاد الاناضول، والامبراطوريات التي قامت في مصر، مضافاً الى الموقع الاستراتيجي للموانئ اللبنانية في ذلك الوقت، فبلاد الشام كانت تحظى بموقع استراتيجي مهم من حيث الحركة التجارية العالمية في تلك العصور والتي تقع الشام فيها في مركز الحركة التجارية بين بلاد الرافدين ومصر وبلاد الاناضول وقبرص هذا من جهة، ومن جهة اخرى ما كنت تتحلى به المنطقة من اهمية اقتصادية حيث الوفرة الكثيرة في المحاصيل الزراعية والغابات التي كانت توفر مصدراً مهما وقريباً للخشب، اضافة الى الثروة الحيوانية بسبب وفرة الامطار التي تجعل الصحراء الشامية موقعاً مهماً لازدهار حرفة الرعية وكثرة المواشي، والتي يتفرع عليها توفير المادة الاولية للصناعات النسيجية فمع كثرة الاصواف والاوبار تزدهر الصناعات النسيجية المهمة التي يحتاجها الانسان في لباسه وفراشه وغيرها من استخدامات ذلك الزمان، هذا فضلاً عن تجارة النحاس والقصدير التي كان بين قبرص وبلاد الرافدين والتي تمر عبر الاراضي السورية.
ولهذا كانت الشام موقعاً للتنافس البابلي المصري في ذلك الزمن، وفي فترة ضعف القوى البابلية والمصرية كانت تظهر قوى محلية تتمكن من السيطرة على الواقع السياسي في سوريا كما حصل في ايام سيطرة الاموريين على بلاد الشام، وهو من بدو من سكنة الصراع نشأ عن ضعف الدولتين العراقية والمصرية تمددهم في بلاد الشام واستقرارهم فيها وبسبب كثرتهم العددية وقدراتهم القتالية تمكنوا من بسط نفوذهم في تلك البلاد.
ومضافاً الى النفوذ البابلي المصري في بلاد الشام مدت الدولية الحثية التي ظهرت في الاناضول نفوذها الى بلاد الشام واحتلت اراضيها في فترة قدرتها العسكرية.
وخلال فترة ضعف الدول المحيطة بسورية ظهرت مملكة يخماض التي اتخذت من حلب عاصمة لها والتي خاضت حروبا وجودية ضد جيرانها، كان ملوك يخماض اراميين وهم بقيام مملكتهم  كانوا يسيطرون على الطريق التجاري الرابط بين بلاد الرافدين وحوض البحر المتوسط، ولكن نفوذهم لم يشمل جميع البلاد ولذا كانت قوافل التجارة البابلية تسلك الصحراء للوصل الى غرب بلاد الشام، وبالاضافة الى مملكة يمخاض ظهرت مملكة قطنة ومملكة كرمكيش ومملكة اورشوم اللائي عاصرن ممكلة يمخاض، وكان لها موقع تجاري مهم ايضاً، وقد تمكن الحثيون من القضاء على هذه الممالك بعد زحفهم من بلاد الاناضول الى شمال سوريا وشمال بلاد الرافدين.
ويتضمن تاريخ سوريا القديم ظهور اول دولة توحيد على ارضها حيث اسست على النبي يوشع (عليه السلام) بعد ان انتهت فترة تيه بني اسرائيل في الصحراء ثم تمكن الممالك الوثنية في سوريا من السيطرة عليهم حتى بعث داود (عليه السلام) وحكم بني اسرائيل ومن بعده ولده سليمان (عليه السلام) وبعد وفاة سليمان (عليه السلام) وانقسام الدولة اليهودية الى دولتين متصارعيتن كان كل منهما تستعدي حلفاءها الوثنيين ضد الدولة الاخرى، حيث كانت احداهما ترتبط بعلاقات مع الامبراطورية البابلية فيم كانت الاخرى ترتبط بتحالف مع الدولة الفرعونية، واستمر حال الصراع بينهما حتى تم القضاء عليهما على يد البابليين .
وبعد ظهور الامبراطوريات الفارسية خضعت بلاد الشام الى الامبراطورية الفارسية، لحين ظهور الرومان في احتلالهم لمصر ومد نفوذهم الى بلاد الشام وسيطرتهم عليها، وبقي الحال قائماً في خضوع بلاد ما بين النهرين الى الامبراطورية الفارسية وخضوع بلاد الشام الى الامبراطورية الرومانية حتى ظهور الاسلام وزحف الجيوش من جزيرة العرب شرقاً وغرباً.
كانت تولي يزيد بن ابي سفيان امارة الشام في عهد ابي بكر جزءاً من التوافق القرشي في توزيع السلطة بعد رحيل النبي (صلى الله عليه واله) واقصاء بني هاشم عن قيادة الدولة، وبعد وفاة يزيد اسندت امارة الشام الى معاوية، وبعد ان تولى عثمان بن عفان الخلافة وسع سلطة معاوية لتشمل كل بلاد الشام.
لعبت الشام دوراً سلبياً في الصراع الداخلي الذي حدث ايام عثمان حيث كان ارسال معاوية لقوات شامية بناءً على طلب عثمان المحاصر من قبل ابناء الولايات المعترضة على سوء ادارة الولاة الامويين في البصرة والكوفة ومصر، وامر معاوية جيشه بالتوقف في دومة الجندل سبباً مهماً في تطور الاحداث في المدينة التي رافقها قيام مروان بن الحكم  - صهر الخليفة والمهيمن على القرار في قصر الخلافة – برمي السهام من داخل القصر وقتل بعض ابناء الامصار المعترضين على سياسية الجور والظلم المتبعة من قبل الولاة، والتي انتهت بقتل عثمان من قبل مجموعة من المحاصرين بينهم بعض اجلاء اصحاب النبي (صلى الله عليه واله).
وبعد مقتل عثمان وفشل عائشة في ايصال مرشحيها – الزبير وطلحة - الى سدة الخلافة، اعلنت عائشة رفضها لخلافة امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) ودعت الى الثورة ضده متذرعة بان عثمان استتيب ثم قتل مع انها كانت الى حين مقتل عثمان تحرض عليه وتنادي اقتلوا نعثلاً فقد كفر. دعم معاوية تحرك عائشة وطلحة والزبير ووجه بني امية بالالتحاق بهم ودعمهم مالياً، في محاولة منه لاضعاف خلافة امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) وابعاد الخطر عن دمشق حيث ان علياً (عليه السلام) ارسل له كتاب عزله عن امارة دمشق.
وبعد معركة الجمل التي انهت التحرك السياسي القرشي ليقود معاوية حركة التمرد العسكرية والسياسية ضد امير المؤمنين (عليه السلام) والتي تولد عنها معركة صفين التي كادت ان تغير الواقع السياسي الاسلامي الى افضل واكمل حالاته، الا ان تخاذل الكوفيين في اللحظات الاخيرة وانخداعهم بدعوة عمرو بن العاص بعد رفع اهل الشام المصاحف على رؤوس الرماح ادت الى انهيار الجبهة الكوفية وحصول تصدع كبير في الجيش الكوفي ورفع السيوف في وجه امير المؤمنين (عليه السلام) لاجباره على وقف الحرب مع معاوية، الامر الذي كاد ان يوقع حرباً داخلية بين ابناء المعسكر الكوفي فاضطر امير المؤمنين (عليه السلام) الى قبول وقف الحرب مع علمه بأن النتائج ستكون سلبية جداً الا ان الغباء الكوفي الناشئ من تعدد اتجاهاتهم السياسية ادى الى تلك النتائج السلبية التي تركت اثرها على الواقع الاسلامي منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا، وفي كل تلك الفترة كانت الشام خاضعة خضوعاً تاماً لما رسمته لها سياسية معاوية بن ابي سفيان، وبقيت الشام موالية لبني امية الى ان سقطت الدولة الاموية على يد العباسيين.
كانت الجيوش الشامية الركن الاساس في قيام الدولة الاموية واستمرار بقائها بل كان الامويون لا يثقون بغير اهل الشام، ولا يعتمدون على غيرهم في حفظ سلطانهم، وقد كان للقوات الشامية الدور الكبير في القضاء على ثورة زيد بن علي (عليه السلام) ايام هشام بن عبد الملك مقرونة بتخاذل الكوفيين عنه كما فعلوها من قبل مع الامام الحسن والامام الحسين (عليهما السلام).
استمر حكم العباسيين في بلاد الشام وظهرت فيها العديد من الدول منها الدولة الحمدانية الشيعية التي امتد نفوذها في شمال العراق وبلاد الشام واتخذت من حلب عاصمة لها في نهاية القرن الثالث الهجري واستمرت ما يقارب القرن من الزمان وكان لها اثر مهم في الادب والثقافة والحرية الفكرية على عكس الاضطهاد الفكري الذي كان سائداً ايام التسلط الاموي والعباسي، كما كان لهم دور مهم في التصدي للحركة الصليبية وخاضوا ضد الصليبيين حروباً طويلة، وبعد الحمدانيين تمكن الفاطميون من مد نفوذهم في بلاد الشام حتى سقوط الدولة الفاطمية بعد قرنين ونصف على قيامها على يد الطائفي القوى الطائفية البغيضة التي قادها صلاح الدين الايوبي، والتي مارست جرائم طائفية كبيرة ضد الشيعة في بلاد الشام ومصر وشمال العراق.
وبعد سقوط الدولة العباسية على يد المغول اصبحت الشام تحت النفوذ المغولي ومن ثم مد احتلها العثمانيون في عهد السلطان سليم وتوجه منها الى مصر ليعلن نفسه خليفة على العالم الاسلامي بعد انهاء اخر سلطة رمزية للخلافة العباسية في مصر.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد عبد الستار الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/04/12



كتابة تعليق لموضوع : العراق الماضي والحاضر وافاق المستقبل عبد الستار الجابري (14) الدور الاقليمي والدولي في العراق عبر التاريخ (سوريا1 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net