صفحة الكاتب : ماجد عبد الحميد الكعبي

لغة الأعراب وبلاغة العرب : ( امير المؤمنين هذا..فان مات فهذا..فمن أبى فهذا ! )
ماجد عبد الحميد الكعبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 ان كثيرا من الناس لا يفرق بين العرب  والأعراب فتلتبس لديه كثير من المفاهيم المتعلقة بهذين المصطلحين ، ولكي نحدد الدلالات  المرتبطة بهما لا بد من تتبع ذلك في معجم لسان العرب لابن منظور المصري ، فقد ورد في باب ( عرب) ما يلي : العرب ( بضم العين وسكون الراء ) والعرب ( بفتح العين والراء) : جيل من الناس معروف ، خلاف العجم...، والعرب العاربة : الخلص منهم ..، والعربي منسوب الى العرب ، وان لم يكن بدويا. والأعرابي : البدوي ، وهم الاعراب ، و الأعاريب : جمع الاعراب ) ، ومن ذلك نستنتج ان العربي قد يكون بدويا او غير بدوي في حين ان الأعرابي لا يكون إلا بدويا ، الامر الذي يرشح ان الاشتقاق الدلالي لم يكن معنيا بجنس يدعون بالبدو بإزاء جنس اخر يعرفون بالعرب ، و انما يتعلق المصطلحان بالمكان الثقافي الذي يقطنه العربي او الأعرابي ، فالعرب لا ينسبون الى شخص بعينه ليكون الجد الاعلى لهم بل هم السكان الذين يقطنون المدن و الارياف و الحواضر وبعكسهم البدو الرحل الذين ينتجعون الفيافي والصحارى ، فهو اسلوب عيش وحياة وليس نسب او اصل لجنس او عرق معين ، واذا اردنا الدقة نقول هو الفارق بين المدنية والبدائية بين الحضارة والهمجية ، وهذا ما يؤكده ابن منظور مستشهدا بما حكاه الازهري الذي قال : ( رجل عربي اذا كان نسبه في العرب ثابتا ، وان لم يكن فصيحا ، وجمعه : العرب ،...ورجل أعرابي ، بالألف ، اذا كان بدويا ، صاحب نجعة وانتواء وارتياد للكلأ ، وتتبع لمساقط الغيث ، وسواء كان من العرب او من مواليهم ،..و الأعرابي اذا قيل له : يا عربي ! فرح بذلك وهش له ، والعربي اذ قيل له : يا أعرابي ! غضب له ، فمن نزل البادية ، او جاور البادين وظعن بظعنهم ، وانتوى بانتوائهم : فهم أعراب ، ومن نزل بلاد الريف واستوطن المدن والقرى العربية وغيرها ممن ينتمي الى العرب : فهم عرب وان لم يكونوا فصحاء. وقول الله عز وجل : ( قالت الأعراب امنا ، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا : اسلمنا ) فهؤلاء قوم من بوادي العرب قدموا على النبي ، صلى الله عليه وسلم المدينة ، طمعا في الصدقات ، لا رغبة في الإسلام ، فسماهم الله تعالى الأعراب ، ومثلهم الذين ذكرهم الله في سورة التوبة ، فقال : ( الأعراب اشد كفرا ونفاقا ) .
اذن الربط واضح بين المكان والتسمية الذي يحيلنا الى علاقة التسمية بالعيش والسلوك والقيم المعروفة في المدن و الحواضر واختلافهما اختلافا واضحا عن قيم الصحراء ، وضرب الازهري امثلة تعزز ذلك الفهم عندما قال رادا على الذين لا يفرقون بين العرب والأعراب فقال : (والذي لا يفرق بين العرب و الأعراب والعربي و الأعرابي ، ربما تحامل على العرب بما تأوله في هذه الاية وهو لا يميز بين العرب والأعراب ) .
وقد اكتسب المصطلحان بعدين جديدين عندما ارتبطا بهجرة الرسول الكريم (ص) الى المدينة ، اذ يشير الازهري مرة اخرى الى الفرق الكبير بينهما بقوله : ( ولا يجوز ان يقال للمهاجرين والأنصار أعرابا ، انما هم عرب ، لانهم استوطنوا القرى العربية ، وسكنوا المدن سواء منهم الناشئ بالبدو وثم استوطن القرى ، والناشئ بمكة ثم هاجر الى المدينة ، فان لحقت طائفة منهم باهل البدو بعد هجرتهم ، واقتنوا نعما ورعوا مساقط الغيث بعدما كانوا حاضرة او مهاجرة قيل : تعربوا اي صاروا أعرابا بعدما كانوا عربا ).
 ان هذا الرأي يطرح تساؤلا مهما قد يغير كثيرا من المفاهيم والدلالات المرتبطة بالذاكرة الثقافية الاسلامية ، هل تشكل الهجرة الى المدينة الحد الفاصل بين ان تكون منتميا الى العرب او منتميا الى الأعراب ، اي بين ان تكون مؤمنا او تكون كافرا ؟ لا سيما اذا اخذنا أحاديث الرسول الكريم ( ص ) بوصفها قاعدة للتفريق بين التسميتين والتي نصت على : ( ثلاث من الكبائر، منها التعرب بعد الهجرة ) و ( التعرب بعد الهجرة كفر) و (تمثل في خطبته مهاجر ليس بأعرابي ) مضافا اليها الايات الكريمة التي خصت الأعراب ؟!.    
وفي ضوء ذلك اود ان استحضر بعض الامثلة لتوضيح العلاقة بين اللغة وارتباطها المرجعي بالثقافة الأعرابية وبلاغة القيم الاسلامية.
يروي الجاحظ في البيان والتبيين انه : ( لما اجتمع الناس لبيعة يزيد في حضور معاوية ، قامت الخطباء رغم اظهار الكراهة من القوم ، فقام رجل من عذرة يقال له يزيد بن المقنع فاخترط من سيفه شبرا ثم قال : امير المؤمنين هذا ، وأشار بيده الى معاوية ، فان مات فهذا ، وأشار بيده الى يزيد ! فمن ابى فهذا ! وأشار بيده الى سيفه ! فقال له معاوية : انت سيد الخطباء).
ويقول محمد حسنين هيكل : اجتمعت اكثر من تسع ساعات مع السيد حسن نصر الله ، تناقشنا بكل القضايا الاقليمية والدولية ، ومرت الساعات سريعة ، بينما عندما اجتمعت مع الملك عبدالله ال سعود قضيت نصف ساعة ، شعرتها دهرا ، ولما سئل عن الحديث الذي دار بينه وبين الملك قال: سالني سؤال واحد ونحن على الغداء ( شلون تدبر راسك مع الحريم وأنت بعمر الثمانين ؟) وخرجت الصحف في اليوم التالي تقول : اننا استعرضنا الاوضاع الاقليمية والدولية.
 وقال عبد الله القصيمي : ( ان كل انسان لا بد ان يستهلك حياته في تعبير ما ، اي في اصوات ما ولو كانت اصوات حركة  كلمة او فكرة ، فالبشر جميعا لا بد ان يتحولوا الى اصوات ، وهم لا يستطيعون ان يتحولوا الى صمت او سكون داخل ذواتهم ، انهم لابد ان يحيوا ويموتوا بالتصادم بالاشياء وبالاخرين في اسلوب افكار او حركات مسموعة ، ان الحياة والتفكير لا يمكن ان يكونا صمتا ، لانهما سقوط على الاشياء والناس وتصادم بهم ، او انشاد وهتاف وصلوات معهم ) .
تفرز الرواية والمقولتان مدى الارتباط الوثيق بين اللغة بوصفها اداة للتواصل والآدمية التي تفرق الانسان عن غيره من المخلوقات ، فاللغة يمكن ان تكون من اشد انواع القوى تاثيرا في الناس وفي المجتمع اذا استطاعت ان تكون اداة جيدة للتواصل مع الآخر، وحين يعجز الانسان عن امتلاك هذه القوة يلجا الى استعمال لغة اخرى قد تساويها او تفوقها في المقدار لكنها قطعا تختلف معها في النتيجة ، فلغة السيف قد تكون اشد فتكا من لغة التواصل والحوار لكنها ابعد ما تكون عن صفة الادمية .
 وامتلاك الحاكم او الزعيم لناصية اللغة يعني امتلاك قوة اضافية وقدرة فاعلة في التفاوض والإقناع  ومن ثمة حصد مزيد من الاراء والاصوات المؤيدة ، اما الذي لا يعرف إلا لغة السيف ويمنع الناس من مشاركته في الحوار فذاك من جنس من يصفهم القصيمي بقوله : ( الطغاة والأغبياء الذين يحرمون علينا ان نقول افكارنا بصراخ ، هم في الواقع من يحرمون علينا ان نكون مفكرين ، ان تكون لنا افكار من داخلنا ، اي انهم يقتلون في الانسان قواه ، واحتمالاته الفكرية ، اي انهم ابشع القتلة ! ).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ماجد عبد الحميد الكعبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/04/22



كتابة تعليق لموضوع : لغة الأعراب وبلاغة العرب : ( امير المؤمنين هذا..فان مات فهذا..فمن أبى فهذا ! )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net