صفحة الكاتب : طالب عباس الظاهر

نظرات في القصة القصيرة(2)
طالب عباس الظاهر
القصة القصيرة ربما لا تتعدى كونها قصة اللا قصة وحكاية اللا حكاية ولعلها واقع اللا واقع ببعديه الزمني والمكاني، وان توسلت بمثاليتها السرد بالمنظور الحكائي، واستندت على المعاش بالصوت والصورة، برصدها انفعالات الشخصية في الصراع الداخلي أو الخارجي، وردود أفعالها إزاء الحدث القصصي، وحسب تأثيره في الواقع .. إذ لا يمكن أن تقوم قصة من دونه، فالحدث مرتكز مهم في كيان القص، يمنحه قوة الشد الدرامي المطلوب، للدفع إلى الأمام .. مسقلاً أجنحة الخيال في كل ذلك، لكهربة اللفظ بشحنات عارمة من طاقة الشعور، وإدامة زخمه حتى النهاية ، من اجل كسر سكون وحدة الصور المكانية، وتحطيم التأطير المحكم بثالوث الزمن .. بسير وحداته الرتيب من الماضي نحو الحاضر فالمستقبل، منذ خلق الإنسان وكان هذا الوجود .
إذ إن القصة تنطلق من صوت الراوي، إلا إنها سرعان ما تتوغل في ضمير الأشخاص والأحداث، فتخلق أكثر من زاوية للرصد، وعدة ضمائر للروي، وفي أحيان أخرى تستنطق حتى الأشياء الجامدة بلغة الإحساس .. فتهتز وتتحرك .. متفاعلة في الحدث والصورة .
غير إن الرؤية الواقعية لأبعاد الحياة المألوفة، عبر وحدتي الزمن والمكان العاديين لسوف تحدّ من حركتها، وهو ما يؤخذ على الاتجاه الكلاسيكي، بالمنحى الواقعي في الكتابة القصصية.. بنسقه التقريري، وعود على بدء بالتسجيل الجامد لحركة الكون والحياة والإنسان، وتقليده الواقع بأبرز خصوصياته رغم إعلان التمرد عليه منذ البداية .
فأن لم يكن الفن بصورة عامة، والقصة منه على وجه الخصوص؛ ثورة على آلية مثل ذلك الواقع .. فأي شيء هي إذن، بل وما الداعي لتدوين ما نراه ونحن نعيشه؟ وهل من الإبداع في شيء .. رفض جمود الواقع، ولكن بالنقل له فوتوغرافيا، مع إضافة أي رتوش أو تحسينات عليه.
لعلل التطرف في الرؤية والأحكام، غالباً ما يؤدي إلى ردود أفعال معاكسة، يدنيها من التطرف أيضاً .. من جهات مقابلة، معتقدة بأنه سبيلها الوحيد للإصلاح والموازنة، وهو ما يمكن ملاحظة آثاره من خلال الاتجاهات الجديدة في الكتابة القصصية، وخروجها على جميع القيود، وتمردها على كل ما هو مألوف .. من حيث كونه مألوفاً، دون الالتفات لما قد ينطوي عليه من حسنات وركائز للتأسيس، لا يمكن تجاوزها، وهو بالطبع لا يخلو ولن يخلو منها قطعا، إذ كيف يمكن تخيل قصة قصيرة من دون شخصية، وبلا حدث أو بلا حبكة وبلا زمان ومكان، كما يحدث في بعض أطروحات النصوص الآن، بالتجاوز على مثل تلك المفردات الأساسية أو على بعضها .. عبر التوغل المحموم في تيار الإبهام، والمجانية والغرائبية الذاتية، أو الفوضى أحياناً بالانسياق خلف إغراءات الأوهام الذاتية .. بالتداعي المنفلت مع التجارب الخاصة، وإسقاطاتها على ذات التجربة في عموميتها، مستغلة فضاءات الافتقاد الكلي للنظرية الاجناسية، لكبح نزقها، وكذلك الحال في عملية تلقي القصة ومحاولة التقييم لها نقديا، مع وجود الاستثناءات دائما،  بسبب كون الذائقة الفردية ومهما اتصفت به من الحصافة؛ فأن بعض جوانب حكمها لابد وأن تظل قاصرة، فلا تمثل حقيقة التقييم بكليته، لأن أحكامها ليست نهائية، لعدم استنادها على ثوابت النظرية من جهة، والافتقار لنوع عميق من التجرد الموضوعي من الجهة الأكثر أهمية .. بحيادية التلقي والتقديم .
لذلك فإن كثيرا مما تطرحه الساحة الثقافية، وتحتفي به من نماذج القصة القصيرة - مع الأسف الشديد - لا يمت بصلة لهذا الفن الإبداعي، نتيجة التأثر بتراكمات الموجة السائدة، باستحكام أسباب التقليد، بيد إن هذا لا يلغي كونها صادقة مع ذاتها، وحقيقية في دوافعها الشعورية، لكنها ستظل أسيرة مثل تلك الاتجاهات، وتيارات الارتجال، وانسياقات الوهم اللذيذ، فتتقاذفها الرغائب والأمزجة، ولكن هل يا ترى يكفي الصدق مع النفس وحده للنجاح في طرح التجربة، واعتماد الإبداع من دون امتلاك الأسباب؟ لهذا سيظل الأفذاذ، ويتناوبوا بالتبجح بحمل رايتها، أولائك من ذوي الريادة .. بالهالات الإعلامية أو الإعلانية الجوفاء، ومن خلال استمرار منهج تلميع الأسماء، التي ديدنه إثارة الغبار والضجيج من حولها، أنى حلت، ومتى ما طلعت بفتوحاتها الإبداعية، لينفخ في جوفها الفارغ، حفنة كتاب لم يألفوا للقلم من مهمة، سوى الانضمام لجوقة التطبيل والتزمير .. إن أمام الأسماء، أو الأشخاص ذات البريق، لغاية من الغايات أو لحشر أسمائهم بمرادفة تلك الأسماء ، أو بمحاذاة تلك الأسماء .. لاعتقادهم بأنه سبيل وحيد للشهرة، ولمعان أسمائهم بين الأسماء في دنيا الأدب والثقافة، وزرع بصمتهم في حقل الإبداع.
taleb1900t@yahoo.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


طالب عباس الظاهر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/04/16



كتابة تعليق لموضوع : نظرات في القصة القصيرة(2)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net