محمود ابو ريّه .. اول داعية لتجديد الخطاب الاسلامي في العصر الحديث
ماجد عبد الحميد الكعبي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ماجد عبد الحميد الكعبي

ان ما يشهده العالم الاسلامي اليوم من جدال ونقاش حول ضرورة تجديد الخطاب الديني وإعادة قراءة السنة النبوية قراءة موضوعية بعيدة عن التحجر والانغلاق كانت له بدايات مهمة تمثلت بجهود الداعية والباحث الاسلامي المصري محمود ابو رية الذي الف اول كتاب في تاريخ الحديث عنوانه ( اضواء على السنة المحمدية ) عام 1958م ، ذلك الكتاب الذي قراه طه حسين مرتين ووصفه بقوله : ( جهد وعبء ثقيل لا يقوم به في هذه الايام الا القليلون ).
وقد استفاض امر الكتاب وأحدث دويا هائلا بين ارجاء العالم الاسلامي ، مما لم يحدث مثله لكتاب اخر في عصرنا غير كتاب ( في الشعر الجاهلي) الذي الفه طه حسين ، اذ بلغ ما صدر في نقد الكتاب ( من 1958م الى 1965م ) خمسة عشر كتابا ، في مصر والحجاز والشام ، فضلا عن المقالات المنشورة في المجلات والصحف .
ولا شك في ان كثيرا من الداعين الى اعادة قراءة التراث الاسلامي- اليوم- ومنهم الشيخ الدكتور احمد الكبيسي قد قرأ الكتاب واطلع عليه منذ زمن بعيد ، وكذلك فعل الدكتور عدنان ابراهيم - فيما يبدو- اذ تتشابه وتتقارب كثير من طروحاته مع ما جاء به ابو رية في كتابيه : ( اضواء على السنة المحمدية و شيخ المضيرة ابو هريرة ) , ومنذ ستينيات القرن الماضي الى يومنا هذا لم تظهر محاولات جادة ورصينة ( من لدن الاسلاميين ) لإعادة قراءة الخطاب الاسلامي قراءة حقيقة مثل تلك التي بدا بها ابو رية إلا اذا استثنينا ما ظهر من الكبيسي وابراهيم على الفضائيات هذه الايام ، وهذا الامر محزن حقا لان الانقطاع طول تلك الفترة سبب في ازدياد فجوة سوء الفهم للخطاب الاسلامي المعتدل الذي يعكس القيم السامية والرفيعة للاسلام ،فزادت وتوطدت كثير من الخرافات والأوهام الاعرابية الجاهلية التي بثها الخطاب السلفي المتحجر على انها الاسلام الخالص والنقي من الشوائب ، فازداد اعداء الاسلام وكثر المشككون ، وظهر الملحدون في بلاد العرب ، ولا يحسب القارئ الكريم ان ما يشهده الاسلام من قبول في اماكن كثيرة من العالم واعتناق الكثيرين منهم له دليل على ان الاسلام بخير ولازال يثبت حضورا بين الديانات الاخرى ، لان صورة الاسلام التي تمثلها هؤلاء الداخلون في الاسلام هي نقيض الصورة التي يعكسها المتحجرون السلفيون الان ، فلا يفرح هؤلاء على انهم قد قدموا فتوحاتهم العظيمة وساقوا للبشرية امثلة سامية ، فصورة الإسلام بعيون غربية قطعا تختلف عن صورة الاسلام الاعرابية الجاهلية التي يصدرها السلفيون المتحجرون الان. والمسلم الذي يقطن في بلاد الغرب يختلف اختلافا كبيرا عن الذي يعيش في الشرق ، فالغربيون تأثروا بصورة الاسلام التي عكسها المسلمون بعدما عايشوهم وخالطوهم ولم يتأثروا بالمسلمين الذين يصدرون لهم الارهاب والقتل والدمار .
هناك صورتان غربيتان للإسلام : واحدة نقلها المستشرقون في بدايات القرنيين الماضيين وهي الصورة القاتمة والكالحة التي وجدها المستشرقون الذين – كما يقول ابو رية- ( لم يتجنوا علينا ولم يفتروا شيئا من عند انفسهم ، وإنما وجدوا مادة خصبة من الخرافات والاوهام قد انبثت في ديننا ونسب بعضها – وااسفاه – الى النبي (ص) فتشبثوا بها وتسلقوا عليها وانتقدونا من اجلها ، ولا تثريب عليهم في ذلك ، لانهم قوم يفهمون بعقول راجحة وأذهان مستنيرة وعلوم واسعة وأفكار متحررة لا يكبلهم شي من تقليد او عبادة للأسلاف ، ولا يعرفون عبارة ( قال المصنف رحمه الله ! ) من اجل ذلك لا تلوموهم ولوموا انفسكم ، ثم اجعلوا ردكم عليهم وصدكم لهجومهم ان تعمدوا الى دينكم فتمحصوه وتطهروه من الشوائب التي لحقت به حتى يعود كما جاء على لسان محمد (ص) دينا قيما صافيا يتبين منه لأهل هذا العصر ومن يأتي بعدهم الى يوم الدين انه دين العقل والعلم والحرية والفكر).
اما الصورة الثانية فهي الصورة التي نقلها المسلمون انفسهم الى الغرب من امثال د عدنان ابراهيم وغيره من المتنورين ويلحق بها الصورة التي اكتشفها الغربيون انفسهم - دون والوسيط الاستشراقي - عندما زاروا الشرق وقابلوا واحتكوا بأناس مسلمين قد تركوا ثقافة التصحر والتحجر .ومن الغريب ان يسهم الغرب السياسي اليوم في اظهار الصورة الكالحة المتمثلة بالإسلام السياسي السلفي المتحجر ليسهم في تشويه النسخة النقية التي عرفها الغربيون عن الاسلام في الغرب ، فهم يحاربون الاسلام المنتشر في بلدانهم عن طريق تشويه صورته في الشرق لذلك اسهموا في اظهار الاسلام السلفي المتحجر على انه الاسلام الحقيقي ، ولكي لا نخدع مرتين علينا ان نثبت للعالم ان السلفية والوهابية ودعاتهما لا تمثل الاسلام الحقيقي صاحب القيم الرفيعة بل ذلك هو (الاسلام الاعرابي الجاهلي) والنسخة المشوه منه والتي سعى الاستشراق لتكريسها منذ زمن بعيد ولم يفلح فجاء النظام الغربي اليوم ليبعث تلك الصورة من جديد للاساءة والحط من شان الاسلام وقيمه المثالية .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat