صفحة الكاتب : محاسن غني النداف

مُحرّمٌ والمحرومون
محاسن غني النداف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 قال د. بيرج(1) في معرضِ حديثِه عن صيامِ شهرِ رمضان: إنّ أولئك الذين يشكونَ من مُشكلاتٍ هضميةٍ لا يعلمونَ أنّ العِلّةَ ليستْ في الصوم، وإنّما في ما يأكلونَ ويشربونَ قبلَ الصيامِ أو بعدَ الإفطار، ممّا يُفسِدُ عليهم الآثارَ الصحيةَ الإيجابيةَ التي يحصلُ عليها الجسمُ أثناءَ الصيام.

حقيقة أحسستُ بشعورٍ غريبٍ لدى سماعي هذه العبارةَ، ومن حيثُ أدري أو لا أدري وجدتُ نفسي أسحبُها على سائرِ الفرائضِ والتكاليفِ الشرعيةِ من واجباتٍ ومُستحبّات.

فلو تأمّلنا قليلًا لوجدنا أنّنا بحاجةٍ إلى معرفةِ حقيقةِ العملِ التكليفي الذي نُقبِلُ عليه وكيفيةِ الإتيانِ به على الوجهِ الصحيح؛ لنجنيَ ثمارَه الطيّبة. فالصلاةُ والحجُّ وسائرُ الفروعِ الدينية لا بُدّ لها من مُقدِّماتٍ علميةٍ وعمليةٍ تشفعُ لتمامِ العملِ وتُحقّقُ الأثرَ المرجو، وإنّ الإهمالَ الحاصلَ في هكذا مُقدِّماتٍ يُضيّعُ على المُكلّفِ لذّةَ القُربِ من صاحبِ الملكِ والملكوت والوصال به عندَ مُباشرةِ الفريضة، ومن ثم سيُحرَمُ نعمة الرضوانِ الحالّة في ساحةِ الطاعات.

في شهرِ مُحرّمٍ الحرام يجدُ المؤمنون أنّ تكليفَهم الشرعيّ يقتضي مواساةَ الرسولِ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام بفاجعةِ كربلاء المُروِّعة، ومضتِ الأجيالُ اللاحقةُ تقتفي أثرَ الأجيالِ السابقة في سائرِ الشعائرِ والطقوسِ المُعتادةِ في هذه المناسبةِ دونَ وقفةِ تدبُّرٍ في حقيقةِ ما يعملون.

لذا نجدُ البعض من المُعزّين -وللأسفِ الشديد- يتسمون بأخلاقياتِ لا تنبغي لهم وهم يذرفونَ الدمعَ على سيّدِ الشهداء (عليه السلام)، فغدوا مصداقًا واقعيًا لقولهِ الشريف: "الدينُ لعقٌ على ألسنتِهم يحوطونه ما درّتْ معايشهم، فإنْ مُحِّصوا بالبلاء قلَّ الديّانون"(2) لا لشيءٍ إلا لأنّهم لم يسعوا إلى فهم حقيقةِ عاشوراء الإمامِ الحسين (عليه السلام).

طبعًا لا يُمكِنُ بأيّ حالٍ إغفالُ الأسبابِ التاريخيةِ الدافعةِ نحو الانحدارِ بالمستوى الديني والأخلاقي للأُمّةِ الإسلاميةِ عمومًا وشيعةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) خصوصًا والمُتمثِّلة بالحروبِ الفكريةِ والثقافيةِ والسياسيةِ التي مورستْ ضدَّ القواعدِ الإسلاميةِ على مرِّ الدهور من قِبَلِ الحكوماتِ الاستعماريةِ ومن والاهم من العملاءِ المُتطرِّفين.

لكن لا عُذرَ اليومَ بعدَ هذا الانفتاحِ الثقافي وغيابِ الرقابةِ المُعادية.

لماذا ما زلنا واقفين عندَ سواحلِ عاشوراء؟!

اقتربوا قليلًا واجعلوا أقدامكم تبتلُّ بماءِ عاشوراء الظامئ للنُصرة.

إنّنا وللأسفِ الشديد نَحرِمُ أنفسَنا من تلبيةِ النداء!

ألا هل من ناصرٍ ينصرنا(3)

لأنّنا عزفنا عن الاغترافِ من معينِ العلمِ والمعرفة، ومن ثم فقدنا القُدرةَ على إدراكِ معنى ذلك النداءِ ومعنى أنْ نوفّقَ لتلبيته! فلم نُقدِّمْ لأنفسِنا ما يُعيننا على خوضِ غِمارِ عاشوراء.

فما حقيقةُ عاشوراء؟

وكيفَ يجبُ أنْ يكونَ الحزنُ في عاشوراء؟

"مَنْ زَارَ قَبْرَ الحسين عَارِفاً بِحَقِّهِ كَانَ كمن زارَ اللهَ في عرشه"(4)، إنّ الإمامَ الصادق (عليه السلام) في هذا الحديث يُقيّدُ تحقُّقَ الأثرِ المطلوب باقترانِ الزيارةِ بالمعرفة، فإذا ما تحقّقتْ تلك المعرفة أصبحَ للحُزنِ طعمٌ آخرُ وباتتْ عاشوراءُ سبيلًا للتكامُلِ والرُقي الإنساني حتى نستحقَّ مقامَ الملائكةِ المُحدقين بعرشِ اللهِ (سبحانه).

فدموعُنا لنْ تكونَ عاطفيةً فقط، بل ستكونُ –مع ذلك- توحيديةً عقائديةً تنعى فقدَ حُجّةِ اللهِ (تعالى) على العالمين وقرآنَه الناطق، والأمينَ على وحيه وشرعه.

فإذا كانتِ المُقدِّمةُ صادقةً كانتِ النتيجةُ حتمًا صادقة؛ لذا لا بُدّ من بذلِ الجهدِ والسعي الحثيثِ لتحقيقِ هذا المطلب، وإلا فإنّه من المؤسفِ حقًّا أنْ نكتفيَ بالوقوفِ على أعتابِ مُحرّمٍ وننظرَ نظرةَ المحرومين إلى أنصارِ الإمامِ الحسين (عليه السلام) ونقول بحسرة:

"يا ليتنا كُنّا معكم فنفوزَ فوزًا عظيمًا"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١/ د. ايريك بيرج طبيب متخصص في العلاج اليدوي وحمية الكيتو واستاذ في جامعة هارفارد،امريكا.

٢/ بحار الانوار ج٧٥

٣/ موسوعة عاشوراء، ش. جواد محدثي

٤/ تهذيب الاحكام ج6 / 4)


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محاسن غني النداف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/08/17



كتابة تعليق لموضوع : مُحرّمٌ والمحرومون
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net