سوقُ الصفّارين في الحلة تراثٌ وفنٌ وفلكلور
محمد الموسوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الموسوي

من المهن الشعبية الموروثة منذ آلاف السنين هي مهنة (الصفّار) الذي يصنع الأواني والأقداح والملاعق والقدور والسيوف والتحفيات المختلفة كلها تُصنع من مادة النحاس بنوعيه الأحمر والذهبي.. وعند دخول الزائر أو المتبضع الى السوق الكبير في مدينة الحلة الفيحاء، يمر بفرع خاص يسمى بـ(سوق الصفارين)، يكتظ بدكاكين متراصة منها كبير وصغير، ويعرض الصفّار بضاعته من الأواني والقدور والأباريق وغيرها من انتاج هذا الصفار، وخاصة سريع البيع لجذب الزائر أو السائح أو الراغب بشراء التحف المصنوعة من مادة النحاس.. تصنع هذه البضاعة في معامل متراصة بين هذه الدكاكين، فلا تسمع إلا طرقاً يصمّ الآذان، ولا ترى إلا عملاً متواصلاً ولهيباً متصاعداً صيفا وشتاء..
يعد سوق الصفارين من منابع الأصالة والتراث، ومن الفن الأصيل الذي تحول الى مهنة تعود على أصحابها بالكسب الحلال؛ واشتهر سوق الصفارين في الحلة التي توصف بضياء النحاس، مما جعلها قبلة السياح العرب والأجانب القادمين الى زيارة العراق، والاطلاع على حضارته ومدنه المنتشرة، وعند وصول السائح الى مدينة الحلة ووصوله الى السوق العريق بالقدم والمشهور يشاهد صناعة تحف ومعروضات نحاسية مختلفة ومتنوعة.
هذا السوق ومحاله بُنيت داخلها أفران حرارية لتليين النحاس والفافون (الألمنيوم)، وطرقها لإنتاجه حسب طلب.. وقد حدثنا صاحب محل قديم توارثه عن آبائه وأجداده هو الأخ حامد كاظم محمد علي الصفار نسبة الى مهنتهم فقال׃ اختلفت السوق كثيراً عن مشاهد السوق في الماضي التي تميزت منذ عقود مضت، بالإزدحام، وضجيج الطرق، والأفران النارية، وأصوات النقش على الأواني، وهي حرفة جميلة.
أما اليوم اقتصر اقتناء تلك الأواني كتحفيات للزينة.. وأشار حامد: إن سبب قلة الطلب على هذه الأعمال الجميلة هو غزو البضائع الأجنبية الرديئة والرخيصة، مما أدى إلى إهمال هذه المهنة العريقة والأصيلة.. فيما قال أحد أقدم حرفيي هذه المهنة في سوق الصفارين: كان السوق في الماضي يعجّ بالمشترين، وكنا نبقى حتى ساعة متأخرة من الليل لإنجاز العمل المطلوب، وكان من بين المتبضعين الكثير من الأجانب، مما جعل تجارة السوق تبقى نشطة على الدوام.. وقد طالب بلدية الحلة بالعناية بالسوق، ورعاية حرفيي النقش والطرق على النحاس؛ لأن هذه السوق نافذة مهمة من نوافذ تاريخ الحلة، لذلك يُخشى ضياعها في ظل تزاحمها مع التحف الصينية والهندية والتركية والايرانية المنتشرة في العصر الحديث..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat