وشاحُ الزُهدِ وجهازُ التواضُعِ
رقية التقي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
رقية التقي

أهازيجُ وزينةٌ ونثار..
أَهو عُرسٌ أم فرحةُ الجنان؟
عرسٌ في الجنة؟!
اجتمعتْ حورُ العينِ مُتسائلةً فيما بينها بلسانِ حالِها، وهي ترى الجنةَ مُتزيّنةً بأبهى حُلّةٍ، لتُجيبَها الأهازيجُ بأنغامِ التسابيح والتهاليل:
- بلى، إنه عُرسٌ، وشهودُ أربعمائة من الملائكة! ونثارٌ من الدُرِّ والياقوتِ من طوبى الشجر!
فتعالَينَ وشارِكنْ تبريكاتِ السماءِ، والتقطنَ خيرَ الثمرِ؛ لتتهادينَه فيما بينكن لفرحةِ خيرِ البشر!
يبدو أنَّ العقدَ الثمينَ للحُججِ في الأرض بينَ النبوّةِ والإمامةِ بدأَ بالتشكُّلِ!
لؤلؤٌ منضودٌ بَرّاقٌ قد امتزجَ فيه نوران؛ ليزيدَه بريقًا وإشعاعًا على صفحةِ الوجود!
هكذا بدتِ النشوةُ تتردّدُ بين سُكّانِ السماء، صلواتٌ وتبريكٌ للآل؛ لتُرسِلَ صداها للأرض.
- أينَ أنتَ يا جبرائيل؟
فلتنزلْ إلى الأرض، وتأمرِ الحبيبَ بتزويجِ عليٍّ من فاطمةَ؛ فقد جاءَ الأمرُ الإلهي، وإنّ عليًا لكعبةٌ يُحَجُّ إليها، ولولاه لما كانَ لفاطمةَ كفؤ.
ابتدرَ الأمينُ مُمتثِلًا لأمرِ العزيزِ ومُبلِّغًا رسالتَه، حاملًا أكاليلَ الفرحةِ وردًا يُطوِّقُ به العريسين، فإذا بالخاتمِ محُمّدٍ (صلى الله عليه وآله) يأمرُ الفتى عليًا (عليه السلام) أنْ يتقدّمَه للمسجد، بعدَ أنْ عَلِمَ برضى كريمته، وبمحضرٍ من المهاجرين والأنصار والمسلمين تمَّ الزواجُ الميمون، ليشهدَ الجميعُ عليه.
توّشحتِ الفرحةُ رداءَ العريسين وعانقتهما، وأخذتْ من عطرِهما؛ ففاحتْ في أرجاءِ المدينة؛ لتدخلَ قلوبَ المُحبّين، وتُرسلَهم للتبريكِ والمُشاركةِ في مراسيم الزواج حتى تصلَ إلى بيتِ فاطمةَ وتستقر.
ما أروعَ الزواج حينَ يكونُ للهِ (تعالى) وعلى سُنّةِ رسولِه (صلى الله عليه وآله)! ولقد تمثّلَ ذلك في زواجِ النورين؛ فالمهرُ لم يتجاوزِ الأربعمائة وثمانين درهمًا، وكانَ ذاك ثمنُ درعِ أولِ الناسِ إسلامًا، أما الجهازُ فسِمتُه التواضُعُ، ومُفرداتُه الزهدُ، وقد تمثَّلَ في قميصٍ بسبعةِ دراهم، وخمارٍ بأربعةِ دراهم، وقطيفةٍ، وثوبٍ، وسريرٍ، وفراشين حشوهما من صوفِ الغنم، وأربعِ مرافق، وسترٍ من صوف، وحصيرٍ، ورحى، ومِخْضَبٍ، وسقاءٍ، وقدحٍ من خشب، وشن، وجرّةٍ، وكوزينِ خزف، وعباءةٍ خيبرية، وقربةِ ماء.
ولقد باركَ المُصطفى (صلى الله عليه وآله) ذلك الجهازَ، فقال: "اللهمَّ باركْ لقومٍ جُلَّ آنيتهم الخزف"
أثاثٌ هو مدرسةٌ! أرضٌ فُرِشَتْ بالرمل، وسائدُ محشوةٌ بالليف، جرّةٌ، وكوز! لا غرابةَ في البين؛ فمَن طمعَ في الآخرة؛ زهدَ في الدنيا، ومَن عشقَ الدُنيا؛ فلن تجدَ البساطةُ في العيشِ إليه طريقًا، ولن يرضيَ نفسَه سوى البذخِ والترفِ في كُلِّ شيء.
لقد حرصَ الإسلامُ على تقليلِ المهور، وتيسيرِ أمرِ الزواج، وأنْ لا تكونَ الأمورُ الماديةُ عائقًا أمامَ الزواج؛ فقد وردَ عن رسولِ الله (صلى الله عليه وآله): "أفضلُ نساءِ أُمّتي أصبحُهنَّ وجهًا وأقلُّهنَّ مهرًا"، وقال: "من بركةِ المرأةِ قِلّةُ مهرِها، وشؤمها كثرةُ مهرها".
أَمَا وبعد هذا البيان، والتأكيد؛ فليس صحيحًا أنْ يُبرّرَ بعضُنا غلاءَ المهورِ بأنّه أمرٌ يرجعُ إلى ما تراضى عليه الناس، وأنّنا في زمنٍ يضربُ الغلاءُ بجرانِه في كُلِّ ناحية، وأنّه لا بُدّ من مُراعاة ما تفرضُه الظروف! إنَّ الحلَّ لا يأتي بتبريرِ الخطأ، وإنّما بالتصدّي للسبب، ومُعالجةِ أصلِ المشكل.
فيا أُختي الكريمة..
أنتِ لستِ سلعةً معروضةً للبيعِ في مزادٍ يمتلكُكِ من يدفعُ مالًا أكثر! وتذكّري قولَ الرسولِ الأعظم (صلى الله عليه وآله): "تياسروا في الصداق، فإنَّ الرجلَ ليُعطيَ المرأةَ حتى يبقى ذلك في نفسِه عليها حسيكة"، والحسيكة: هي الحقدُ والعداوة. واستحضري ما وردَ عن أمير المؤمنين من أنّه قال: "لا تُغالوا بمهورِ النساء فيكون عداوة".
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat