التعليمُ والامتحانُ بين الحضوريِّ والإِلكترونيِّ
د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود

إِنَّ الدراسةَ الحضوريةَ هي الدراسةُ الحقيقيةُ التي أَدَّت إِلى إِحياءِ المدارسِ والجامعاتِ ومراكزِ البحوثِ في العراقِ والعالمِ بالمعلِّمين ، والمدرسين ، والأَساتذةِ ، والباحثين الأَكْفاءِ الذين لم يتولَّوا زِمامَ قيادةِ الحركةِ التربويةِ والتعليميةِ والفِكريةِ في العراقِ فحسْبُ ، بل في (الوطنِ العربيِّ ، والعالَمِ) كلِّه ، ونحن شُهَّدٌ على هذه الحقيقةِ ؛ لأَنَّنا من جيلِ التعليمِ الحضوريِّ الحقيقيِّ طلبةً للعِلْمِ ، ومدرِّسين وأَساتذةً.
والتعليمُ والامتحانُ الحضوريُّ له هيبتُه ، ورصانتُه ، وبُعدُه النفسيُّ البنَّاءُ والتوجيهيُّ والرادعُ في الوقتِ نفسِه ، وهو المعيارُ الفردُ لتقييمِ التلاميذِ والطلبةِ والباحثينَ ، ورصدِ الفروقِ الفرديةِ بينهم بدقةٍ. إِنَّه المعيارُ الكاشفُ لشخصيةِ المعلِّم ، والمدرسِ ، والأَستاذِ ، والباحثِ أَيضًا. والطرفانِ كلاهما (الطالبُ وأُستاذُه) مُبهمانِ لا تقييمَ حقيقيًّا لهما بالتعليمِ الإِلكترونيِّ.
أَمَّا التعليمُ الإِلكترونيُّ فهو المنهَجُ الذي لم تَجِد وزارتا التربيةِ ، والتعليمِ العالي العراقيَّتانِ بُدًّا من جعلِه النظامَ التعليميَّ البديلَ لاستمرارِ الدراسةِ في ظلِّ جائحةِ كورونا وتَبِعاتِها على الرغمِ من كثرةِ سلبياتِه التي يأتي في مقدِّمتِها (ضَعفُ التحصيلِ المعرفيِّ والفَهمِ) ، و(عدمُ صِدْقِ التحصيلِ التقييميِّ بالدرجاتِ من مخالفةِ الدرجةِ لواقعِ الطالبِ).
إِنَّ تأكيدَنا بالموافقةِ على إِجراءِ الامتحاناتِ حضوريًّا للموادِّ التي دُرِست حضوريًّا وإِلكترونيًّا في الدراسةِ الأَوليةِ ، وللموادِّ التي دُرِست كلُّها حضوريًّا في الدراساتِ العُلَى إِنَّما هو لضبطِ الحقوقِ التعليميةِ بأَمانةٍ ورصانةٍ وتمحيصٍ ؛ فيأخُذُ (الفائقُ ، والمتوسطُ ، والضعيفُ) استحقاقَه بلا أَيِّ تزييفٍ. وبالامتحاناتِ الإِلكترونيةِ فإِنَّ الفائقَ بمستواه يكونُ كالضعيفِ الذي سيعلُو على تفوقِه ، بل يأخذُ استحقاقَه بتسلسلِ التخرجِ والاعتباراتِ الدراسيةِ اللاحقةِ ومنها التعيينُ ، فضلًا عن توهينِ التعليمِ من جهةِ التراسلِ الجَمعِيِّ لطلبِ الإِجاباتِ عنِ الأَسئلةِ وقتَ الامتحانِ نفسِه بجرأةٍ وصلت إِلى حدِّ طلبِ المساعدةِ الباطلةِ من أَساتذةٍ مختصِّين بحسبِ العلاقاتِ والمحسوبيةِ والتواطُؤِ في أَثناءِ الامتحانِ.
ويُرجَىٰ العِلْمُ بأَنَّ الامتحانَ الإِلكترونيَّ لا يُولِّدُ جهدًا على الأُستاذِ ؛ فإِجاباتُه تُصحَّحُ فورَ الانتهاءِ من أَدائِه إِلكترونيًّا ببرنامجِ الحاسوبِ الامتحانيِّ نفسِه ، أَمَّا الحضوريُّ التحريريُّ فيَستوجبُ تواجدَ الأُستاذِ في اللجنةِ الامتحانيةِ للتصحيحِ المباشرِ على الدفاترِ بحضورِ لَجنةٍ مختصَّةٍ تَقطَعُ الأَسماءَ ، ثم تُعيدُها بعد التدقيقِ والتأكدِ من ضبطِ التصحيحِ وجمعِ الدرجة فضلًا عمَّا يتطلبُه الواقعُ من جهودٍ ماليةٍ وإِداريةٍ ومعنويةٍ وصحيةٍ وأَمنيةٍ لازمةٍ لأَداءِ الامتحاناتِ الحضورية.
وثمةَ حقيقةٌ سأَختتِمُ بها هذا المقالَ هي أَنَّ التلاميذَ ، والطلبةَ ، والباحثين يعشقون الدوَامَ الحضوريَّ ولا سيَّما (أَغلبَ) طلبةِ الجامعاتِ في البكلوريوس (خاصةً) ، والدراساتِ العُلَى ، وتتوقُ أَنفسُهم لمغادرةِ حياةِ الرتابةِ في البيتِ والعملِ ، وللتلاقي المعهودِ في الجامعاتِ التي لا تزهو إِلَّا بهم ، وهم معنا في موعدِ الدرسِ الحضوريِّ لطلبةِ البكلوريوس و(مناقشاتِ بحوثِ التخرجِ ومشاهدةِ تطبيقِ الطلبةِ في صفِّهِمُ الجامعيِّ) ، ولطلبةِ العُلَى إِلى هذا الوقتِ بحسبِ الجدولِ المقررِ والتعليماتِ النافذةِ ، ولكنَّ هذه الأَغلبيةَ منهم تُنكِرُ هذا العِشقَ والاشتياقَ ، وتُحاربُ ما كانت تعشَقُ عندما يكونُ الامتحانُ حضوريًّا فقط ؛ لأَنَّه (مجزرةٌ) بحقِّهم كما وصفه بعضُهم ! وغيرُ هذه الأَغلبيةِ يعشقُ الولاءَ الجامعيَّ حضورًا في الدرسِ والامتحان.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat