ما ان يأتي شهر محرم حتى تتشح القلوب قبل الجدران بالسواد ويبدأ الحداد، وترفع الأعلام تعبيراً عن الحزن المضطرم في الفؤاد؛ لرزء سيد الشهداء عليه السلام.
فمنذ بزوغ الهلال، وأبي يذهب إلى حسينية الحي للمشاركة في عزاء سبط الال، دموع وعبرات، وغصة وآهات، ولوعة وحسرات، تتعالى منه كلما ذكر ما حل بالامام الحسين عليه السلام، وينادي بحرقة قلبه ليتني كنت معكم سيدي.
وما ان يأتي يوم العاشر، حتى يذهب والدي إلى ساحة الحي ليجسد هناك دور شيخ الانصار حبيب بن مظاهر، لقد ساعده في أداء دوره بإتقان وجهه المنير وشيبته المضيئة وكبر سنه من جهة، وقلبه المفعم بالحب لله تعالى وعشقه لآل البيت عليهم السلام من جهة أخرى، لقد احتفظ بدوره هذا منذ خمسة عشر عاما، وفي كل مرة يؤدي فيها الدور يشعر الجميع بحرارة الرزية ولوعة المصيبة، فأبي يؤدي دوره بصدق وحب، ويحرق بدمعته الحارقة كل قلب، لا زلت أذكر كيف كان حاله يختلف بعد العاشر وحتى يوم الثالث عشر من المحرم، دمعة لا ترقأ، وعبرة لا تهدأ، ونداء آه يا حسين آه يا زينب لا يفارق شفتيه.
لكن محرم هذا العام يختلف كثيرا، أبي لم يؤد دور حبيب بن مظاهر؛ لعله قد التقاه، واطفأ لهيب الشوق الى مرآه، أقسم بأنه هناك معهم حيث تلك الوجوه النورانية والأرواح الزكية مع سيد الشهداء عليه السلام وأهل بيته وأصحابه، لم لا وأبي مضى إلى ساحة القتال بعد فتوى الجهاد ليجسد دور شيخ الانصار حبيب في ميدانه، لم يمنعه كبر سنه، ولا مرضه وضعف بدنه، لم يستجب لمن منعوه، ولم يصغ لمن ارادوا أن يقعدوه، قالوا له أنت شيخ كبير والجهاد في هذا السن عسير، أبتسم وقال: ترى كم سأعيش لتحرصوا علي كل هذا الحرص؟! أنا ومنذ سنوات أؤدي دور حبيب، ويحترق قلبي لأني لم أحضر في يوم الطف لافدي مولاي الغريب، دعوني البي نداء الا من ناصر وانتصر للحق الذي رواه السبط بدمه الزكي بدل ان اجلس للبكاء والنحيب، لقد آن لشيبتي أن تخضب من دمي فداء لذلك الشيب الخضيب وآن لخدي الناعم أن يتوسد الثرى أسوة بذاك الخد التريب، مضى أبي إلى ساحة عشقه وتضحيته، ونال في شهر الأحزان ما يصبو إليه وحقق أمنيته، وبقي إسمه يرفرف على رؤوس أحبته، نحمله وساما في دنيانا، واخرتنا يوم نفوز بلقائه وننال شفاعته.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat