مجالسُ الفواتحِ ومظاهرُ الاستعراضِ
د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود

إِنَّه واقعُنا العامُّ الذي نعيشُه في ظلِّ الأَعرافِ العشائريةِ في أَغلبِ محافظاتِ العراقِ. وليس مقالي هذا بمختصٍّ بحادثةٍ محددةٍ أَو شخصيةٍ أَو جهةٍ معينةٍ.
أَ نحضُرُ مجلِسَ الفاتحةِ للاتعاظِ والاعتبارِ متقرِّبين إِلى اللٰهِ تعالى بالتواضعِ والبساطةِ ، واحترامِ ذوي العزاءِ مُتحلِّينَ بأَخلاقِ أَداءِ واجبِ العزاءِ والمواساةِ قربةً لوجهِ اللٰهِ تعالى ؟!
أَم نذهبُ إِلى مجلسِ الفاتحةِ ونحن نتعالىٰ على الموتِ والمَيْتِ والقِيَمِ الإِنسانيةِ كلِّها التي أَساسُها الخشيةُ من اللٰهِ والتواضعُ للٰهِ ؟!
أَم نحضُرُ مجلِسَ الفاتحةِ ونحن لا نجدُ للقرآنِ الكريمِ مجالًا في مسموعاتِنا إِنْ كان لتلاوةِ القرآنِ وجودٌ في مجلسِ العزاءِ كما كنا نجدُه ؟!
وهل لقولِه تعالى : ﴿وإِذا قُرِئَ القُرآنُ فَاستَمِعوا لَهُ وأَنصِتوا لَعَلَّكُم تُرحَمونَ﴾ [الأعراف/٢٠٤] مِن تطبيقٍ فعليٍّ إِيمانيٍّ في مجلسِ الفاتحةِ ؟!
أَم نذهبُ ونحن نتصارعُ بالمبالغِ المدفوعةِ سَلَفًا ولا سيَّما من المستجدِّين والمجهولين شِيخةً للـ(مُهْوالْ) ؟!
فنحن نُشاهدُ كيف يُستقبَلَ (فلانٌ) بتمجيدٍ يَفوقُ به مقامَ القادةِ العظماءِ كالأَنبياءِ (عليهِمُ السلامُ) ، والقادةِ الدنيويين المشهورين كزعماءِ الدولِ والثوارِ ! بل يصِلُ تمجيدُه القوليُّ بـ(الهوسة) اللفظيةِ التي لا حقيقةَ لها إِلى ما يتجلَّىٰ به الإِشراكُ المحضُ باللٰهِ سبحانَه أَحيانًا !
أَم نذهبُ ونحن نَرقُبُ مَن لَّم يَستقبلْنا فقط ؛ لِنجعلَه موقفًا نُدينُه به من دونِ سواهُ الذي لم ننتظِرْ استقبالَنا منه أَساسًا متجاهلين كرامةَ منِ استقبلَنا ؟!
أَم نذهبُ وغرورُ الدنيا كلُّه عندنا متناسين أَننا آتونَ من نطفةٍ ، ومنتهون إِلى جيفةٍ ؟!
أَم نذهبُ ونحن نتصيدُ خلْقَ الصراعاتِ والتحدياتِ بالمسمياتِ والعنواناتِ واللافتاتِ الآنيةِ التي لا نثبُتُ عندها دائمًا ؛ فطَورًا هنا وطَورًا هناك ، وتارةً مع (فلانٍ) وأُخرى مع (عِلَّانٍ) ؟!
أَم نحضُرُ مجلِسَ الفاتحةِ نتحدثُ بالشهامةِ والغَيرةِ والقِيَمِ والمُثُلِ العُلَىٰ ونحن مُحتقِنون غِلًّا على فلانٍ وفلانٍ ، ونتصارعُ فيما بيننا حسدًا وأَنانِيَةً ، ونتنافسُ على مكانِ الجلوسِ تكبُّرًا وتعاليًا ، ونَلمِزُ هذا ونَهمِزُ ذاكَ ؟!
أَم نذهبُ ونحن ونحن ونحن ... كثيرةٌ هي صورُ التناقضاتِ التي يجمعُها مجلسُ العزاءِ في أَيامِنا هذه !
نعم ؛ لا يُمكِنُ انتقادُ مظاهرَ كريمةٍ تُجرَىٰ في مجلسِ العزاءِ يُفعِّلُها كبارُ القومِ بتواضعِهم واستحقاقِهم وشأنِهم وأَثرِهم وتأثيرِهم في حدودِ رضا اللٰهِ تعالى.
ولو أَعاد اللٰهُ المَيْتَ ساعةً واحدةً في مجلسِ الفاتحةِ وهو يرَى جبهاتِ الاستعراضِ العسكريِّ بالسلاحِ والعتادِ اللافتِ للنظرِ ، وصراعَ الحشودِ الوافدةِ بالـ(هوساتْ) ، وإِسرافَ الطعامِ المبذولِ بلا تقييدٍ و... لوقفَ نادبًا حظَّه وهو يُنادي: ويلَكُم لو صِرتُم إِلى ما صِرتُ إِليه لجعلتُم صوتَ كلامِ اللٰهِ بالقرآنِ صادحًا لا يعلو عليه صوتٌ يُرسَلُ هديةً لي تُنقِذُني ، ولبذلتُمُ الطعامَ أَو مبلغَه الطائلَ على الفقراءِ المحتاجين حقًّا كما تبذلونه لضيوفِكمُ المستحقين ، ولهربتُم من مظاهرِ التنافسِ الدنيويِّ الزائلِ يومًا لا محالةَ تُهرَعون إِلى التنافسِ على العملِ الصالحِ فقط !
نحن نقرأُ ﴿...إِنَّا للٰهِ وإِنَّا إِلَيهِ راجِعونَ﴾ [البقرة/١٥٦] ، و﴿كُلُّ مَن عَلَيها فانٍ﴾ [الرحمن/٢٦]) ، و﴿... لِمَنِ المُلكُ اليَومَ للٰهِ الواحِدِ القَهّارِ﴾ [غافر/١٦] ؛ فهل لنا مِنِ اعتبارٍ ؟!
رحِمَ اللٰهُ الراحلين إِلى رحمتِه ، ومنح الدُّنيويِّين توفيقَ الهدايةِ إِلى ما يُرضيه بمشيئتِه.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat