من الصفات الشريفة التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم « الإيثار ، وهو أن يقدم أخاه المسلم على نفسه ليدفع عنه مرارة العيش وبؤس الحياة . وقد تحدث القرآن الحكيم عن هذه الظاهرة ، قال تعالى «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»
إنَّ الإيثار صفة سامية وخصلة حميدة تدلُّ على علوِّ مقام صاحبها وارتفاع منزلته وتكشف عن وجود ملكات أخلاقية أهَّلته أنْ يحصل على هذه الصفة فلا يرى لماله أو منافعه أو نفسه قيمة إذا ما جازَ له أن يؤثِر الآخرين بها ويقدمهم على مصالحه ونفسه.
وقد مثل ذلك كله سيدنا ابو الفضل العباس ع" في واقعة الطف عندما وصل المشرعه و قلبه الشريف كصالية الغضا من شدة العطش فاغترف من الماء غرفة ليشرب منه إلا أنه تذكر عطش أخيه ومن معه من النساء والاطفال فرمى الماء من يده وامتنع أن يروي غليله وقال:
يَا نفسُ مِن بعد الحُسين هوني هَذا الحسينُ وَارِدَ المَنون ِومِن بعدِهِ لا كُنتِ أن تَكُوني وتشرَبينَ بَاردَ المَعينِتاللهِ مَا هَذي فِعَال دِيني
إن الانسانية بكل إجلال واحترام لتحيي هذه الروح العظيمة التي تألقت في دنيا الفضيلة والاسلام وهي تلقي على الاجيال أروع الدروس عن الكرامة الإنسانية.
ان هذا الايثار الذي تجاوز حدود الزمان والمكان كان من أبرز الذاتيات في خلق سيدنا أبي الفضل فلم تمكنه عواطفه المترعة بالولاء والحنان أن يشرب من الماء قبله فأي إيثار أنبل أو أصدق من هذا الاِيثار ... ،اتجه فخر هاشم مزهواً نحو المخيم بعدما ملاَ القربة وهي عنده أثمن من حياته والتحم مع أعداء الله وأنذال البشرية التحاماً رهيباً فقد أحاطوا به من كل جانب ليمنعوه من إيصال الماء إلى عطاشى آل النبي صلى الله عليه وآله وأشاع في اعداءه القتل والدمار وهو يرتجز:
لا أرهبُ الموتَ إذا الموتُ رَقَا نفسي لنفسِ المُصطَفَى الطُّهر وَقَاحتّى أواري في المصَاليتِ لُقَى إنّي أنا العبَّاس أغدو بالسقَاولا أخافُ الشرَّ يوم المُلتَقَى
لقد أعلن بهذا الرجز عن شجاعته النادرة ، وأنه لا يخشى الموت وإنما يستقبله بثغر باسم دفاعاً عن الحق وفداءً لاخيه سبط النبي صلى الله عليه وآله .. وانه لفخور أن يغدو بالسقاء مملوء من الماء ليروي به عطاشى أهل البيت.
جاد بكل ما يملك دفاعاً عن أخيه الحسين عن عقل وبصيرة ودين وكان بحق الشخصية الثانية بعد إمامه الحسين في واقعة الطف فقد اثر اخاه الحسين عليه السلام ووقاه بنفسه وقدم اخاه على كل شيء، ولم يجول في راس أبي الفضل عليه السلام سوى سلامة أخيه الحسين وحياته الشريفة لذا ابلى بلاءً حسناً في مواضع الدفاع عن المعصوم وقدم مثلا في البطولة والبأس لم يشهدها احد من قبل وكل ذلك أدى إلى حالة الفداء بعد أن بذل نفسه مع سيد الشهداء وأي مرتبة سامية كاشفة عن مقامات أبي الفضل عليه السلام وشأنه.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat