دُورُ العبادةِ وتنشئةُ المجتمع
صدى الروضتين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
صدى الروضتين

غني عن القول بأن للوازع الديني أبلغ الأثر في تهذيب النفوس واصلاحها وتنقيتها من أدران الرذيلة، وحض الأفراد على فعل الخير ومساعدة الاخرين، ولهذا لا عجب أن نرى الدين يقوم على دعامة أساسية، تمثل جوهر وظيفته في الحياة، وهي قاعدة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، ومن هذا المنطلق يلعب الدينُ دوراً حيوياً في حفظ الاستقرار والأمن في المجتمع، وتثبيت دعائمه، كلما كان الأفرادُ أكثر التزاماً بأوامره، وطاعة لقواعده، وتشبثاً بمبادئه.
وعلى هذا الأساس تضطلع دورُ العبادة بدور مهم في التهذيب الخلقي لأفراد المجتمع، لاسيما النشء الجديد منهم، وتنمية الرادع الذاتي لديهم، بحيث يقيهم من الانزلاق في مهاوي الانحراف والجنوح؛ وتعد التربية الدينية التي تقوم بها، هي تربية متواصلة تمتد عبر مراحل عمر الإنسان حتى الممات.
وقد أثبتتِ الدراساتُ الميدانية في عدد من أقطار العالم، ان للدين والقيم الاجتماعية العليا أثراً مهماً في الحدّ من الجريمة، وان الشباب المتمسّك بالدين هم أقل عرضة للجنوح والانحراف من غيرهم. وتعمل دور العبادة على نشر التعاليم الدينية التي من شأنها الرقي بالبشر نحو حياة مشرقة بالفضائل والآداب، وعدّت المراحلَ المؤدية إلى هذا الهدف النبيل من صميم رسالتها، وان الإخلالَ بهذه الوسائل يعدّ خروجاً عليها، وابتعاداً عنها؛ فليست الأخلاقُ من مواد الترف التي يمكن الاستغناء عنها، بل هي أصول الحياة التي يرتضيها الدين ويحترم ذويها؛ ولهذا جاء في الحديث النبوي الشريف: (إن المؤمنَ ليدرك بحسن الخلق درجات قائم الليل وصائم النهار).
وتؤكدُ دُورُ العبادةِ على دَوْر الدين في الحياة الذي لا يقف عند حدّ الدعوة الى مكارم الأخلاق وتمجيدها، بل انه هو الذي يرسي قواعدها، ويحدد معالمها، ويضبط مقاييسها الكلية، ويضع الأمثلة للكثير من جزئيات السلوك، ثم يعزي بالاستقامة، ويحذر من الانحراف، ويضع الجزاء المناسب مثوبة أو عقوبة على كلا السلوكين نصب العين.
وفي ضوء هذه الحقائق، يمكن عدّ الدين عاملاً مهماً في منع وقوع الجرائم، ومن مؤيدي هذا الرأي، كل من (دي كراف وهيمنس وايرزمة) ويذهب هؤلاء إلى ان هناك تلازماً بين الدين والقيم الأدبية …ومن الأسباب التي تعطي دور العبادة قوتها في عملية ضبط سلوك الأفراد وتصرفاتهم، كونها مزوّدة بصفة القدسية، ومن جهة اخرى فالناس انما يلتزمون بالقواعد الدينية التي تدعو إليها دور العبادة ويطيعونها، هو نتيجة ارتباطهم العاطفي بالدين، لأنهم يشعرون بعاطفة الحب والتعلق بالدين، الأمر الذي يجعله أداة ضبط في المجتمع، فضلا عن كونه يغذي روافد التطهر والعفة الذي يصون الحياة ويعلي من شأنها .
ولهذا جاء في القرآن الكريم في مواضع عدة ان الله سبحانه وتعالى بشّر عباده الذين يقومون بفعل الخيرات وعمل الصالحات بالجنة، كقوله تعالى: (إنّ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الفِردَوْسِ نُزُلا). ووعد بالعذاب الأليم لمن يقوم باقتراف المحرمات، وارتكاب الموبقات والافساد في الأرض، ويتجسد ذلك في قوله تعالى: (ِنَّمَا جَزَاءُ الذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ). وتعمل دور العبادة على نشر الأخلاق الفاضلة في المجتمع التي هي عماد الدين، فالأخلاق هي قوام المجتمع الفاضل الذي ينشدُ الرقي والتقدم والصلاح، بل لا حياة له بغيرها .
والمجتمعُ الذي يتمسّك بأهداب الفضيلة، يكون مجتمعاً فاضلاً نقياً من أدران الرذيلة، وصاحب سيرة وضاءة مليئة بمحاسن الأخلاق ومحامد الأفعال. أما الشطط واتباع الهوى في ارتكاب الفواحش والكبائر، فهو لا يكون إلا في نطاق ضيّق جدا، وان ما يصل اليه هذا المجتمع من رقي وازدهار وتقدم، انما يكون بفعل تمسكه بقيم الدين ومبادئه السامية... لذا فالدين هو الذي يربط الانسان بمثل أعلى يرنو إليه، ويشرئب نحوه، ويعمل له، فهو الذي يحد من انانية الفرد، ويقف ضد طغيان غرائزه وسلطان شهواته، ويخضعها لأهدافه ومثله، ويربي فيه الضمير الحي الذي تستند عليه صروح الأخلاق في الحياة.
* دَوْر التنشئة الاجتماعية في الحدّ من السلوك الإجرامي/ دراسة ميدانية في مدينة كركوك.
رسالة تقدم بها صلاح حسن احمد يوسف العزي إلى مجلس كلية الآداب/ جامعة الموصل.
وهي جزء من متطلبات شهادة الماجستير في اختصاص علم الاجتماع
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat