صفحة الكاتب : عدنان الصالحي

المجتمعُ المدني كائنٌ عاقل ( 1 )
عدنان الصالحي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 ثمة اجتهادات متنوعة في تعريف مفهوم المجتمع المدني بدلالات معيارية وأيديولوجية, فوفقاً للرؤية الليبرالية التقليدية، يتسم المجتمع المدني بأنه مجال الاختيار، والحرية الشخصية، والمسئولية الفردية، في مواجهة الدولة التي تقوم بوظائفها معتمدة على سلطتها الإكراهية الإلزامية, قبال ذلك يتيح المجتمع المدني للأفراد المجال للمساهمة بتحديد مصائرهم الخاصة وفق الأطر العامة للقوانين، وممارسة أنشطتهم المختلفة بحدود الحريات الشخصية، وعدم التعدي على مساحات الآخرين.
 ويفسر ذلك أهمية وجود مجتمع مدني قوى متسم بالحيوية كملمح أساسي للديمقراطية, ورغم وجود إشكالية أشار إليها بعض المفكرين ومن بينهم (محمد أركون، ومحمد عابد الجابري) الذي يوافقه الرأي في وجود أسبقية للتجربة الديمقراطية عن تأسيس المجتمع المدني و(برأيهما)؛ فان الديمقراطية أقدم في تكوينها، وإنها هي التي تصنع المجتمع المدني، فـ(أركون) يرى أن مؤسسات المجتمع المدني لا يمكن أن تكون بدون تشبع بالفكر وتسلح بمبادئ الديمقراطية، وان وجود المجتمع المدني مشروط بهذا الأمر. فيما يرى آخرون بأن لا ديمقراطية بدون وجود المقدمات الصحيحة لها، ومن بينها المجتمع المدني ومنظماته، فهي التي تدفع بإقامة الحياة التعددية وتستطيع المشاركة في إنشاء ديمقراطية واقعية ناشئة من متطلبات المجتمع لا سياسية يختارها الحاكم في طريقة حكمه.
 ويتطلب قيام مجتمع مدني واع إشاعة ثقافة المدنية كثقافة عامة هي الأساس لنشوئه وإنتاجه, وأي محاولة دون وجود تلك الثقافة يكون مصيرها الفشل، فإنشاء المجتمعات المدنية لا يتم بتشريع ولا سن قانون تطبقه جهة معينة، بل هي ثقافة تنشأ بين الأفراد، وكلما تطورت وتصاعدت تلك الثقافة كان نتاجها دولة تتسم بالمدنية والتعددية. 
 ويرى بعض المختصين وجود عدة عوامل شريطة أساسية لإنشاء مجتمع مدني منها:
1- وجود القناعة التامة من كون الإنسان القيمة العليا، وحياته الهدف الأسمى من كل الأهداف.
2- مقدار ثقافة المجتمع وقدرته على التطور ومساحات التفاعل والانفتاح على الثقافات الأخرى مع ما يتواجد من ثقافات.
3- وجود سمة التطوع والعمل غير الربحي، وإشاعة ثقافة الإيثار.
4- سمو المصالح العليا على المصالح الشخصية، والاستشعار بأهمية ترابط المصير، وأن لا مصلحة شخصية إلا بوجود مصلحة عامة.
5- الشعور بالانتماء والمستقبل الواحد والتعامل بمبدأ المواطنة والإنسانية.
6- حسن الظن المتبادل والتسابق في تقديم التنازلات من أجل النجاح.
7- العمل وفق رؤية ومنطق الإمام علي (ع): (الناس صنفان، إما أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) فلا فرق بين أحد وآخر سوى بالجد والاجتهاد.
8- إذابة الطبقية بين أفراد المجتمع والعمل على أساس الحقوق والواجبات.
9- وجود الأجواء الحميمة في أي عمل ومحاربة الكراهية.
ويمكننا وصف الحالة المدنية بـ(الكائن العاقل) الذي تكون تصرفاته ناتجة عن وعي وحكمة فينفع نفسه والآخرين, على عكس الحالة العسكرتارية التي يمكن وصفها بـ(الكائن المجنون) فهو يمارس الاعتباطية في أي عمل يؤديه، والنتيجة تكون الضرر لنفسه ولغيره.
ولهذا الأمر الكثير من المصاديق، فالمجتمعات التي تعاني من العسكرة وتبتعد عن المدنية غالباً ما تكون مجتمعات أزمة لها ولجيرانها بل وللمجتمع الدولي بأسره, فيما تعاكس الدول المدنية الحالة بكونها دول تقدم الفكر العلمي والثقافي المؤسس لبناء دولة عصرية, وقبل ذلك تكون رائدة لنفسها بالتطور والاستقرار.
 المدنية المنشودة لن تحصل عليها المجتمعات في ليلة وضحاها خصوصا تلك التي تعتمد الطابع العشائري والقبلي في تركيبها, إلا إننا نستطيع القول بعقلنة الكثير من الأفكار وتهذيبها وفق نظمها العامة, بحيث يمكن الحديث عن جو مدني بشكل أو بآخر, تمهيدا لإضافة بصمات مستقبلية أخرى، وهذا يتطلب بدوره إذابة ثقافات وتغيير أخرى، منها تبني ثقافة السلام ونبذ العنف، وتوخي الحالة الإنسانية كمشتركات تجمع بني البشر.
 ولعل أهم ما يسهم في معالجة المجتمعات المصابة بداء العسكرة وابتعادها عن المدنية هو العمل على إعادتها الى قواعد الفطرة الإنسانية الأساسية, فالفطرة إذا ما نمت نمو طبيعياً سلمياً متعايشاً مندمجاً فان المجتمع سيكون سليماً سلمياً خالياً من المشاكل، وبعيدا عن العدوانية والانعزالية والتقوقع, على خلاف ذلك فيما لو غرست فيه بعض الأمور الدخيلة، فانه سيهجن بشكل يفضي الى تغيير الإنسان وابتعاده عن طيبته ومدنيته وقدرته على التعايش مع الآخرين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عدنان الصالحي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/11



كتابة تعليق لموضوع : المجتمعُ المدني كائنٌ عاقل ( 1 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net