سيرة حياة السيدة زينب الكبرى عقيلة بني هاشم عليها السلام
محمد الموسوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الموسوي

هي السيدة زينب الكبرى بنت الإمام علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، وهي ثالث أعظم سيدة بعد جدتها السيدة خديجة، وأمها فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين (عليهن السلام). كانت حياة السيدة زينب (ع) مزدحمة بالفضائل والكرامات والمصائب، وتموج بأمواج العظمة والجلالة والقداسة والروحانية من الله سبحانه، كيف لا وجدها رسول الله (ص)، حيث تراكمت فيها الطاقات والقابليات والكفاءات ومقومات الرقي والتفوق على النساء كافة في عصرها... فكل صفحة من صفحات حياتها المشرقة جديرة بالدراسة والتحقيق؛ فمن ناحية تعتبر القراءة في سيرة حياتها نوعا من أفضل أنواع العبادة وسبل التقرب إلى الله سبحانه، لأنها إطلاع على حياة آل الرسول محمد (ص)، ومن ناحية أخرى التدبر في اللقطات التاريخية التي وصلت إلينا عن سيرة حياة هذه السيدة العظيمة البطلة المظلومة يعطي الإنسان دروساً مفيدة تنفعه في كثير من المجالات... وهي صورة واضحة عن خير قدوة للنساء المؤمنات الصابرات، والفوز بجنة عرضها السموات والأرض.
فعند ولادتها الشريفة قدمتها أمها فاطمة (ع) إلى رسول الله (ص) فأخذها وقبلها وبكى، فقالت له فاطمة الزهراء (ع): (لِمَ بكاؤكَ لا أبكى اللهُ عينيكَ يا أبتاه؟) فقال: (يا فاطمة أن هذه ستُبلى ببلايا وترد عليها مصائب شتى ورزايا أدهى، يا بضعتي وقرة عيني يا فاطمة أن من بكى عليها وعلى مصائبها يكون ثوابه كثواب من بكى على أخويها الحسن والحسين (ع)). ثم سماها رسول الله (ص) زينب، وهي اسم شجرة أو وردة، وكنيتها أم كلثوم وأم الحسن والعقيلة أي الكريمة.
وكان رسولُ الله (ص) يغمرُ أطفالَ السيدة فاطمة الزهراء (ع) بعواطفه ويشمهم بحنانه، ويعلم الله تعالى كم حظيت السيدة زينب (ع) بهذه العواطف الخاصة والتي عاشتها مع جدها خلال الست سنوات تقريباً، بعدها فقدت حنان وحب جدها بوفاته (ص)، بعدها كانت مغمورة بعواطف أمها فاطمة الزهراء (ع) وقد عاصرت السيدة زينب (ع) الحوادث المؤلمة التي عصفت بأمها البتول (ع)... حتى شهدت أمها العليلة طريحة الفراش، مكسورة الضلع، دامية الصدر، محمرة العين...
لم تعشْ عقيلة الهاشميين (ع) بعد استشهاد أخيها الإمام الحسين (ع) مدة طويلة، ولكن حياتها القصيرة هذه كانت كافية لتبدل مجرى التاريخ، وأوفت باستكمال دورها القيادي وتحمل العبء الأكبر الملقى على كاهلها؛ فقد كانت الناطقة الإعلامية هي وابن أخيها الإمام السجاد (ع) في فضح ممارسات النظام الأموي الدموي الذي شوّه الدينَ الإسلامي، وظن الأمويون بأن مسيرة الإمام الحسين (ع) ونهضته واستشهاده قد أودت بدين الإسلام بعد واقعة كربلاء، لكن دورَ العقيلة زينب (ع) بعد فاجعة كربلاء كان الدور البطولي والقيادي لسبايا آل البيت (ع).
فالسيدة زينب (ع) كانت تستعد لهذه المواقف المؤلمة والصعبة والأيام العسيرة، وتتأهب لتحمل مسؤوليتها، وتقوم بدورها البطولي في كربلاء وما بعدها، فهي ربيبة البيت النبوي وربيبة الإمام علي بن أبي طالب (ع) الذي أعدّها وهيأها لهذه المصائب والمحن، فكانت تتحمل الصبرَ العظيم وقوة الإيمان وكامل الإخلاص لله سبحانه، ومن أبرز ما قامت به (سلام الله عليها) هو الحفاظ على البقية من أهل بيت النبوة (ع) ومن عيال وأطفال الإمام الحسين (ع) والمحافظة عليهم، وتكون العين الساهرة والراعية في طول المسير بالسبايا من كربلاء إلى الكوفة، ومنها إلى الشام، ومن ثم الرجوع من الشام إلى كربلاء لإرجاع الرؤوس الشريفة ودفنها، ومن ثم الرجوع إلى المدينة المنورة، ومجاورة جدها رسول الله (ص).
وتبقى العقيلة زينب (ع) أعظم امرأة حملت المسؤولية، وقامت بأدوار جبارة لا يقدر ولا يصبر عليها الرجال على أكمل وجه وأتم واجب تكليفي، لا يعتريها بذلك شك ولا ريب، فلا تتذمر ولا تتأفف، وليس في ذلك العجب؛ وقد تربّت في بيت الرسالة المحمدية، ورضعت من الوحي، وغذيت بغذاء الكرامة من أبيها الإمام علي (ع) فنشأت نشأة قدسية وربيت تربية روحانية مرتدية رداء العفاف والحشمة؛ لأن خمسة أصحاب الكساء (ع) هم الذين قاموا بتربيتها ورعايتها وتهذيبها، وأن زينب اسم اختاره الله سبحانه لها.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat