صفحة الكاتب : عدنان الصالحي

سنن التغيير وإدارة التقدم في الحياة
عدنان الصالحي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  التغيير علامة هامة من ملامح الحياة، وعنصر أساسي لديمومتها, وسنة ثابتة من السنن الإلهية تفرض نفسها على حياة الإنسان، لأنها حتمية فرضها القانون التكويني الإلهي، لذلك  فإن السمة الإنسانية المميزة المنبعثة من عقله؛ هو البحث عن التكامل والتغير نحو الأحسن، فتبعثه على السعي المستمر والحركة الدءوبة.
ولكون الإنسان كائناً عاقلاً بل وسيد المخلوقات على وجه الأرض؛ فانه مختار السلوك الصادر عنه، وهو نابع من الشعور بالوعي والتفكير المسبق عادة، لذلك يحاول أن يتكيفَ مع المتغيرات بإحساسه العقلاني، وليس مجرد تكيف غريزي وانعكاس جبلّي كما هو في الحيوانات، فهو يختار ويقرر بنفسه ما يريد، لذا فان ما يحدث على وجه الأرض هو نتيجة طبيعية لقرارات الإنسان في أغلب الأحوال، فيما تختلف استجابة كل إنسان عن الإنسان الآخر تجاه الظروف التي تواجهه حسب طبيعة وطريقة تفكير كلا منهم.
 أما التغيير الكلي لمجموعة الأمم أو الأمة الواحدة؛ فهو لا يجري عادة إلا أن تكون التغييرات الداخلية قد أخذت منحاها في أجزاء المجتمع، حيث يقول عزّ من قائل: (إِن اللهَ لا يُغيِّرُ ما بِقَومٍ حَتى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِم) الرعد:11, فالأمم لا تستطيع أن تغيّرَ واقعها إلاّ بعد أن يغير أفرادها من أوضاعهم بشكل مضطرد بمجاراة القانون الفطري الإلهي, ولذا تجد التوقف الفكري والعقلي والحضاري هو السبب الأول لسقوط الدول مهما كان حجمها ونوعها والأمم التي لا تستجيب للتغيير، فهي تحكم على نفسها بالموت.
 قد يرى البعض بأن التغييراتِ جارية في جميع المجتمعات او لنقل في مجتمعاتنا الشرق أوسطية، خصوصا بعد دخول العالم مجال العولمة, ولكن هل التغييرات هي مجرد التغيرات الشكلية والظاهرية أم الجوهرية والعلمية العقلية؟.
 إن الدول التي يغيب فيها التغيير عادة؛ هي الدول ذات النظام الشمولي, وهي تعاني في واقع الحال من ضمور وموت سريري في جميع جوانبها الفكرية والبنيوية والاقتصادية والاجتماعية، وقد يصل الأمرُ إلى الجوانب العقائدية التي يحاول الدكتاتور أو الحاكم المستبد قتلها داخل النفس البشرية. وقبال ذلك فان عملية التغيير هي أساس راسخ لقيام دولة المؤسسات والحكومات الناجحة والمنظمات والتجمعات, وهي حالة تعاكس الجمود والتوقف. 
مقدمات التغيير:
إن التغيير لايمكن أن يتحققَ دون وجود عناصر ومقدمات أساسية؛ يمكن أن تساهمَ في تحقيق هذه العملية، ومن هذه المقدمات والعناصر:
1- وجود الحريات والتعددية، فمما لاشك فيه بأن من أهم أرضيات التغيير؛ هو وجود الجو المتسع لطرح الآراء وإطلاق الكلمة الحرة, فلابد من أن يجد أهم مقدماته متمثلة بإخراج المجتمع من ظلمة الاستبداد الى نور الحرية, فلا يمكن لشعب أو لأمة التفكير بتطوير نفسها، ومواكبتها الحضارات العالمية، إذا كانت تحت تسلط حكومات لا تريها سوى عصا الخوف وجزرة الطاعة.
هذه الأنظمة الفاسدة التي تحاول قمع الشعوب والأمم وجعلها في أسفل الجب دائما, أصبحت اليوم من أكبر العقبات أمام التغيير الإنساني, ولعل ما شهده العراق من انغلاق عن العالم الخارجي دام لثلاث وخمسين عاماً تقريباً، أكبر دليل على طريقة احتجاز الشعوب عن التواصل مع باقي الأمم.
 مؤسّسة (فريدوم هاوس) المهتمة بالشؤون الديمقراطية نشرت تقريرا مفصلا عن حالة الأنظمة الفاسدة والدكتاتورية في العالم جاء فيه:
 (إن أنظمة دكتاتورية براغماتية أو غنيّة بالطاقة وذات توجّه نحو السوق… تحاول أن توظّف قوى السوق، وفي نفس الوقت تحتفظ بنظام سياسي منغلق، فتستمّد سطوتها الإقتصادية القوية من خلال النفط أو الرساميل او الفوائض التجارية الطويلة الأجل).
وكانت المنظمة قد صنفت عام 1977ما نسبته 28 % من بلدان العالم على أنها بلدان فيها حرية, وارتفعت هذه النسبة الى 35 % وفي 1987 ازدادت لتصل الى 42 % وفي 1997 وصلت الى 47 في المئة في نهاية 2007م.
2- تحليل وفهم معطيات واقع المجتمع المستهدف للتغيير، وما سيواكب العمل من متغيرات مع استمرارية البحث والتدقيق في كل مرحلة, فلا يمكن التغيير وفق معطيات ثابتة لزمان محدد أو مكان واحد دون مراعاة باقي الجهات المجانبة في الحياة والمتداخلة في المسير. 
3- تحديد الهدف الرئيسي من التغيير, فلكل حركة هدف، ولابد أن يكون عنوانُ التغيير واضحا يفهمه البسطاء، فضلا عن المفكرين. فالغموض يربك الجميع، ويمهد لفشل المشروع، والمقولة الشهيرة بأن (الناسُ أعداء ما جهلوا) كفيلة بالقضاء على أي تغيير إن كانت تشوبه الشبهة أو الضبابية في الأهداف.
4- التدرج في مراحل التغيير بنسب معينة وحسب الأجواء المحيطة، وبعيدا عن إيجاد تغيير الصدمة, فالثقافة الإنسانية كما قلنا سابقاً هي حصيلة تراكم تاريخي متشبث في أعماق النفس لا يمكن تغييره بسهولة, بل لابد من التدرج الطبيعي القائم على مبدأ الإقناع والتبصير.
5- تحديد وترتيب ملامح التغيير (علمياً, ثقافياً, فكرياً)، فلا يمكن جعل الأمور مفتوحة على جميع الاحتمالات بل يجب أن تكون هنالك أولويات لكل مرحلة.
6- عدم تسطيح التفكير في عملية التغيير, فالوضوح والشفافية والغور في أعماق الأمور وحلها ومحاكاة مشاكلها جذريا كفيل بإيجاد تجاوب ملموس من الجميع، لأن الإنسان متجاوب مع من يلامس جذور مشاكله لا شكلها.
7- أن يكون التغيير صادراً عن قرار ودراسة، وأن لا يكون ردة فعل لحالة مرحلية, أو محاولة لعبور اخفاقة آنية.
8- إيجاد القناعات والمقومات في المجتمع بضرورة التغيير، لأن العملَ النابع من قناعة يكون بمستوى الوجوب لدى الإنسان، أما المفروض على الآخرين فسرعان ما سيفشل بزوال المؤثر.
9- آليات التغيير يجب أن تتمتعَ هي الأخرى بالجديد الجاذب عقليا وعلميا وثقافيا، وأن لا يكون على أساس العناوين البراقة دون عمق الهدف وبعد التخطيط.
10- عدم ربط التغيير بسقف زمني، فالأنبياء والمصلحون تناوبوا على مرور الأزمان من أجل التغيير بحيث أكمل اللاحقون ما قدمه السابقون.
11-عدم ربط التغيير باسم معين أو شخصنته بعنوان واحد، بل لابد من جعله شاملاً ومتسعا للجميع, وعدم استهداف طبقة دون أخرى في التغيير.
لقد أصبح مطلبُ التغيير اليوم هدفاً يطلبه الكثيرون، خصوصا ممن وجدوا بأن الحياة بدأت تفقد رونقها وجذوتها, في ظل محاولات إماتة الفكر البشري؛ وتحويله الى كائن آلي, ولا نغالي إذا ما قلنا إن أكثر مشاكل الشعوب الفقيرة - إن لم يكن أساسها - ناتج من الجمود وعدم البحث عن التغيير, فنجدها قد تأخرت عن وضع العالم بعشرات السنين، ان لم تكن المئات... فبينما تعيش بعض الدول المتقدمة مرحلة التقنيات الفضائية؛ تعاني تلك الدول من فقدانها أبسط مقومات الحياة كالماء والكهرباء والخدمات الصحية.
قد تكون الأسباب متعددة في ذلك، إلا أن السبب الرئيسي يبقى هو تخوف تلك الشعوب من التغيير، وعدم تحركها لتغيير واقعها بيدها سواء السياسي أو الاقتصادي أو العلمي, جعلها ترتمي في أودية الفقر والتخلف, وهي لن تخرج من ذلك لا بمساعدات دولية ولا بقروض مالية إن لم تتخذ قرارها بإدارة عجلة التغيير بنفسها.
فالأممُ لا تستطيع أن تغيّرَ واقعها إلاّ بعد أن تغير من ذاتها, وفهم سنة التغيير في الحياة والقناعة بأن زمام الأمور مملوكة بيد الإنسان بعد الباري (عز وجل) وامتلاك القدرة على التأثير بصنع الواقع، بما يمكن أن يقع في جميع المساحات الحياتية، حتى يمكن استباق الأحداث والسيطرة عليها، ومن ثم التحكم السليم في إدارة الحياة، وهذا هو مقصد الكلام.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عدنان الصالحي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/10



كتابة تعليق لموضوع : سنن التغيير وإدارة التقدم في الحياة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net