صفحة الكاتب : عدنان الصالحي

الفساد وتهديد منظومة القيم الإنسانية ح2
عدنان الصالحي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كذلك من أنواع الفساد:

6- الفساد الاقتصادي:

 وكما يبدو من تسميته فهو يقتحم الجانب الاقتصادي للدول حيث يتسلط أصحاب رؤوس الأموال الجشعين على مصادر الحركة التجارية في البلدان، وعلى الغذاء بصورة خاصة، ويتحكمون بتواجده وغيابه من الأسواق، ولاسيما في الدول التي تكون الحكومات فيها ضعيفة او في طور النشوء، ويتمثل بأجلى صوره في: التلاعب بأسعار المواد، الاحتكار، الغش الصناعي والتجاري، التهرب الضريبي والجمركي، اغراق السوق بالمواد في فترات محددة وإضاعتها في فترات أخر، حسب سياسة متبناة لذلك من قبل البعض، ويعتبر من اهم أسبابه هو ضعف رقابة الدول والحكومات على الجانب الاقتصادي وعدم وجود سياسية اقتصادية ثابتة، اضافة الى وجود الأزمات الاقتصادية المستمرة في تلك الدول وسيطرة جهات احادية الجانب على السوق.

من يتحمّل المسؤولية؟

مما لا يخفى بأن للقيادات بشتى أنواعها الدور البارز في المساهمة بشكل مؤثر في شيوع هذه الظاهرة كونها قد دخلت الساحة اولا فمهدت الطريق للآخرين كي يدخلوه، فمن طبيعة الإنسان الفطرية ان يتبع من يقلده في اي ميدان يشغله سياسيا كان ذلك الميدان او دينيا او اقتصاديا او غير ذلك، وللنخب الدور التالي في المسؤولية حيث بدل ان تكون هي المتصدي البارز للظاهرة، نرى على العكس فان اغلب ممن اتهموا بالفساد (سياسيا، اداريا,.....) هم ممن يشغلون مناصب مهمة وبدرجات وكفاءات كبيرة. ويرى أحد مراجعنا العظام (رحمه الله): إن حل مشكلة الفساد تبدأ من القادة والمسؤولين لأنهم النموذج الذي يقتدي بهم الشعب، فاذا فسدوا فسد الشعب، وإذا صلحوا صلح الشعب، فأن زهد الحاكم يوفر على الأمة أقصى قدر ممكن من المال؛ إذ المال ليس مالا للحاكم بل هو مال الأمة، فإذا كان المال دولة بين الحكام، وخاضعا لتصرفاتهم المطلقة وتعرضهم الطاغي - ومن الواضح أن الحاكم ليس فردا أو عشرة أو مائة بل تحتف به حاشية كبيرة من المتملقين والعاطلين والموظفين- لم يبق شيء للأمة كما نشاهد ذلك في الحكام المستبدين الذين يصرفون أموال الأمة في اللهو والعبث والتطبيل لأنفسهم.
ويجمع الأغلب ان للفساد انعكاسات خطيرة وكبيرة بحيث يمكن ان تبلغ مستويات كارثية، تتمثل بتهديد منظومة الحقوق البشرية عموما وسيادة الفوضى العارمة والتي تؤسس بدورها لمرحلة انهيار كامل للمنظومة الإنسانية، هذه التهديد أصبح من الخطر بحيث لا يمكن لأحد التنكر له فهو اليوم بدأ باستنزاف واسع لميزانيات الشعوب ومبادئها وحرياتها واستحكام قبضة المفسدين على مصائرها، ومما لاشك فيه بأن السبب الرئيس في جميع ما تقدم هو وجود اختلال في منظومة القيم الإنسانية لكل من يمارس الفساد بجميع ألوانه او أنواعه، وغياب الرقيب الذاتي والوازع الأخلاقي.

ما نحن بحاجة اليه:

 مما لاشك فيه بأن كل إصلاح يجب أن يبنى على أرضية صالحة وقاعدة متينة، وهذه القاعدة يجب أن تكون مهيأة لتحمل ما سيبنى عليها من بناء مهما كان حجمه وثقله، ولعل النفس البشرية هي في الحقيقة من أهم المواد والأسس التي تحدد فشل أو نجاح العمل، وإصلاحها هو الخطوة الأولى التي يجب أن تسبق جميع الخطوات الأخريات، بل يتوقف نجاح وفشل ما سيلي على ما سينتج من ذلك العمل حيث يرى (رحمه الله) في مجال تثقيف وبناء الذات: (... إنّ مسألة الثقافة من أهمّ المسائل في كلّ أُمّة وحضارة، وقد يصحّ ما يقال بأنّ العالَم يدور على عجلة الاقتصاد والسياسة، ولكن الأصحّ من ذلك هو القول بأنّ الثقافة هي التي توجّه الاقتصاد والسياسة، فبقدر ما يحمل الفرد من ثقافة وعلم في كلا المجالين، فإنّه لا يَخسر ولا يُغلَب، إنّ الثقافة الصائبة وحدها القادرة على مواجهة وتصحيح ما نراه من ثقافة ضحلة في عالم اليوم، لأنّ القوّة أو المال أو غير ذلك يعجز عن مواجهة الثقافات وتغييرها، إذ لا يقارع الثقافة إلاّ الثقافة..... ومن هنا كان العمل الثقافي من أهمّ الأعمال في المجتمع، فهو يمثّل البناء التحتيّ لغيره من الأعمال....).

الحلول والمعالجات:

علي الخباز, [٠٣.٠٦.٢١ ٢٠:٢١]
أما ما يجب إجراؤه على حالة النمطية الإدارية والفنية لمواجهة وباء الفساد فيمكن حصره في:
1- إجراء تغييرات حقيقية وواسعة تشمل جميع المؤسسات تتركز حول إصلاح ما فسد منها، وايجاد سياسة ثابتة وواضحة تعتمد الشفافية مبدأ لها.
2- العمل بشكل كبير على مبدأ القيم الأخلاقية، وإصلاح المنظومة البشرية بطبيعتها الانسانية باستخدام جميع الوسائل الممكنة والعودة بالإنسان لشكله الحقيقي البسيط غير المعقد.
3- أهمية الديمقراطية المنضبطة كآلية للعمل الحر والتنافس السلمي الخلاق، وتداول السلطة سلميا في جميع الميادين وعلى اساس الاستحقاق القانوني والعقلي.
4- تربية افراد المجتمع بجميع الوانهم واعمارهم على ثقافة احترام القانون، وتصحيح جميع الثغرات في تلك القوانين.
5- تصدي علماء الأديان الأفاضل للمفسدين باسم الدين أي كان لونه وصفته وفضح أهدافهم ونواياهم وحماية البسطاء من الناس من الوقوع في شراكهم.
6- معاقبة كبار المخالفين واللصوص والمفسدين المحترفين وفضح سيرهم وتاريخهم بجميع الميادين وبغض النظر عن مكانتهم.
7- العمل بمبدأ الشفافية والوضوح الكامل في جميع الميادين الحياتية والانفتاح على المجتمع وعدم الترفع بالمواقع العليا او الانزواء بعيدا عن الانظار بحجج واهية.
8- تفعيل دور المواطن كأساس في مكافحة الفساد بشتى أنواعه بجعله القيمة العليا في جميع ذلك وتحريك مدركاته الأخلاقية والدينية والثقافية والحضارية في مواجهة التحديات.
9- وضع الاتفاقات الدولية الواقعية قيد التنفيذ والخاصة بمحاربة الفساد والإفساد وجعلها في مصاف الإرهاب الدولي.
10- استخدام الإعلام المهني الصادق المبني على الدلائل والوثائق في عمليات كشف وفضح الفساد صغيره او كبيره، وتحرير السلطة الرابعة من أي قيود.
11- إقامة المؤتمرات وإعداد البحوث والدراسات الخاصة بمكافحة وباء الفساد ووضع التوصيات والقرارات موضع التنفيذ.
إن مواجهة هذا المد الهائل من الفساد المتنوع يكون عبر الارتقاء بثقافة قيم انسانية سليمة ترتكز على تحملنا جماعيا للمسؤولية وعدم الهروب الى مستنقع الانانية والنفعية واللا مسؤولية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عدنان الصالحي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/04



كتابة تعليق لموضوع : الفساد وتهديد منظومة القيم الإنسانية ح2
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net