الابتلاء ودوره في بناء الانسان ( 14 ) يوسف وابتلاء الذات والامة والمجتمع البشري3
السيد عبد الستار الجابري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد عبد الستار الجابري

واما من جانب ابناء يعقوب فان الله تعالى اراد ان يجعل من بني اسرائيل امة موحدة تحمل راية التوحيد في ارض مصر، وبعبارة اخرى يمكن القول ان الارادة الالهية اقتضت ان يكون اسماعيل وذريته الفئة التي تنهض باعباء الدعوة الى الله في جزيرة العرب وان يكون لبني اسرائيل دور اقامة مجتمع التوحيد في مصر بعد ان قام بنو اسحق بالدعوة الى الله في بلاد الشام، وليمهد الله تعالى بحضور بني اسرائيل في مصر ان يهيأ الاسباب لان ينضج تفكير بني اسرائيل ليكونوا مؤهلين لاقامة دولة وسلطان بعد ان كانوا في عهد النبي ابراهيم (عليه السلام) واسحق ويعقوب (عليهما السلام) يسكنون البادية، ذلك لان ادارة البلاد يحتاج الى فن الادارة وتهيئة الجيوش وادارة الاقتصاد، وهو ماحصل بعد ان خرج بهم يوشع (عليه السلام) من التيه.
فهكذا نجد ان التقدير الالهي اقتضى ان يفارق يوسف (عليه السلام) اباه، ويترعرع في ارض مصر ليحبه اهلها بما وهبه الله من صفات وملكات تجعل محبته تسري في القلوب سريان الدم في العروق، ويمكن الله له في الارض فيصبح الوزير الاعظم لملك مصر والمتحكم بالاقتصاد المصري بل باقتصاديات العالم المحيط بمصر بسبب القحط الذي اصاب المجتمع البشري سبع سنين متواصلة، ومن ثم يمهد الله له نشر دعوة التوحيد في ربوع مصر بعد ان اسر حبه فؤاد ملك مصر الذي امن بدعوة التوحيد وكفر بعبادة الاوثان وامر بتدمير تماثيل امون واعتبر الوثنية جرما يحاسب عليه القانون ودعى الى عبادة الاله الواحد (اتون) وابدل اسمه من امنحوتب الرابع الى اخناتون اذ ان الاسم الاول فيه ذكر لامون اما الاسم الذي اختاره فيعني عبد الاله اتون، واتون هو الله بلغة المصريين القديمة. وهكذا ساد التوحيد في ارض مصر بعد ان كانت احدى امبراطوريات الشرك .
وهكذا مكن الله ليوسف (عليه السلام) بسط التوحيد في ارض مصر التي حل التوحيد في ارضها عند هجرة ابراهيم (عليه السلام) اليها، ثم ادامه بعد يوسف (عليه السلام) بنو اسرائيل الذين انتقلوا من بلاد الشام الى مصر عندما كان يوسف (عليه السلام) عزيزا لمصر.
لم تلبث همينة الموحدين في مصر طويلا فبعد وفاة الملك اخناتون، اعتلى العرش زوج ابنته عنخ توت امون الذي كان يعتقد بعبادة الاوثان فاعاد عبادة الاصنام ومعابد امون واعاد للكهنة سطوتهم وللمعابد مكاسبها والاراضي التي كانوا يملكونها قبل ان يصادرها منهم اخناتون، وشن المصريون حربا شعواء على التوحيد واضطهدوا الموحدين، ولكن مشعل التوحيد في ارض مصر بقي وهاجا في ظل وجود بني اسرائيل الذين كانت لهم مكانة عظيمة في نفوس المصريين الذين عشقوا يوسف (عليه السلام).
والخلاصة التي لابد من التاكيد عليها ان رحلة يوسف (عليه السلام) لمصر لم تضف لكمالاته شيئا فهو الانسان الكامل الذي عبر الله تعالى عنه انه من العباد المخلصين وان الله تعالى اتاه العلم، فلم تضف مصر له شيئا، ولكن جملة المصائب والمصاعب التي تعرض لها صلوات الله عليه كانت لاعداد المصريين لقبول دعوة التوحيد، ولاعداد الارضية المناسبة لانتقال بني اسرائيل الى مصر تمهيدا لنقل ثقافتهم من البداوة الى ثقافة الامم المتحضرة ليتعلموا فن ادارة الدولة وكيفية بنائها وادامة وجودها.
اما على الصعيد الشخصي فان بني اسرائيل اعادوا الى الاذهان قصة هابيل وقابيل، فعلى الرغم من ان العائلة كانت عائلة نبوية تعيش في كنف يعقوب (عليه السلام) الا ان الحسد عمل عمله في قلوب اخوة يوسف (عليه السلام) حتى دفعهم الى السعي لقتله لابعاده عن طريقهم في خلافة ابيهم، وقد خططوا لذلك وراودوا عنه يعقوب (عليه السلام) واخذوا يوسف (عليه السلام) معهم الى الصحراء وباشروا القضاء عليه الا ان التقدير الالهي منعهم من ارتكاب تلك الجريمة فقرروا القاؤه في غيابة الجب، وبعد ذلك باعوه كعبد ابق، وعادوا الى ابيهم عشاء يبكون مدعين ان الذئب اكله.
وهنا نجد ان اخوة يوسف (عليه السلام) ارتكبوا العديد من الاخطاء المنافية للقيم السماوية والارضية على الرغم من كونهم ابناء ثلاثة من الانبياء في سلسلة واحد يعقوب واسحق وابراهيم (عليهم السلام)، فهم خططوا وباشروا في قتل نفس بريئة لم ترتكب جرما ولاجريرة، وما دعاهم الى ذلك الا الحسد فهم بهذا شابهوا قابيل في فعله، وقطعوا الرحم باساءاتهم المتعددة الى اخيهم حيث ضربوه وارعبوه واذوه ثم القوه في غيابة الجب امعانا في اظهار حقدهم عليه وبغضهم له وزادوا على ذلك ان باعوه مدعين انه عبد رق ابق وهو ابن الانبياء العظام، وبافعالهم تلك ادخلوا الحزن الشديد على قلب ابيهم (عليه السلام) فكان ذلك من اعظم العقوق.
اما يوسف (عليه السلام) فبعد ان مكنه الله له في الارض سعى الى نشر عبادة التوحيد بعد ان اصبح المجتمع المصري مستعدا لقبول الدعوة لتاثره بشخصية يوسف (عليه السلام) من حيث كمالاته الذاتية ونجاحه في انقاذ المصريين من مخاطر المجاعة التي تسبب بها الجفاف، وبالالغاء الرسمي لعبادة الاوثان واعتناق ملك مصر وشعبها التوحيد اصبحت مصر اول دولة تعلن التوحيد دينا رسميا فاصبحت بذلك اول دولة تجمع بين احكام السماء والتطور الفني والثقافي والمادي للمجتمع البشري.
واما مع ذويه فان يوسف (عليه السلام) عفا عن اخوته وآوى اليه ابويه، واسكن ذرية يعقوب (عليه السلام) ارض مصر، فكان يوسف (عليه السلام) مطيعا لربه وصولا لرحمه بارا بابويه.
لمتابعة مقالاتنا على التلكرام يكن الانضمام عبر الرابط
https://t.me/abdulsettarquranstudys
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat