صفحة الكاتب : علي بدوان

ماذا يريد الفلسطينيون في مناخ التحولات العربية
علي بدوان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بقدر ما تسارعت واتسعت الحراكات الجارية في العالم العربي منذ عام ونصف تقريباً بين الناس في عموم الشوارع والمجتمعات العربية، بقدر ما كان الشارع الفلسطيني ومازال أسيراً لحالة فريدة لها علاقة بوضعه الراهن حيث نصفه تقريباً تحت الاحتلال على امتداد عموم أرض فلسطين التاريخية مناطق عام 1948، الضفة الغربية والقدس، قطاع غزة) والنصف الأخر في دياسبورا المنافي والشتات، خصوصاً في دول الطوق العربية المعروفة (سوريا، لبنان، الأردن) التي يقيم فيها نحو خمسة ملايين مواطن فلسطيني غالبيتهم الساحقة من لاجئي العام 1948) والذي يشكلون قرابة (52% الى 55%) من أبناء الشعب الفلسطيني ككل، والبالغ عددهم قرابة احد عشر مليون نسمة مع نهاية العام 2010، كما يشكلون قرابة أكثر من (65%) من لاجئي الشعب الفلسطيني من عموم المناطق المحتلة عام 1948.
الفرادة الفلسطينية
وبقدر ما تبادرت الملاحظات النقدية على مايجري في عالمنا العربي سلباً وايجاباً، بقدر ما زادت الملاحظات من تراكمها في البيت الفلسطيني، حيث الفرادة التي جعلت من الحالة الفلسطينية، حالة صعبة الاستنساخ، وصعبة التوازي مع مثيلاتها في عدد من بلدان العالم العربي.
والفرادة التي نتحدث عنها، والتي تمّيز الشارع والمجتمع الفلسطيني، تتمثل بعدد من الخصائص، منها خصوصاً ضياع القاع (أو البقعة) الجغرافية الحرة التي توحد الفلسطينيين في اطار جغرافي مستقل تماماً حتى لو كان محدود المساحة، وبعيدا عن سلطة وسطوة الاحتلال في فلسطين (1948، 1967) وعن سطوة النظام الرسمي العربي. ويتضافر معها وجود تقادم وحالة هرم في قياداته التاريخية التي قادت عموم الحركة الوطنية الفلسطينية بعد عام 1967، دون ان تعيد تجديد حالها في بنى عموم الفصائل والقوى الفلسطينية الا بحدود معينة لم تتجاوز منطق الترقيع والاضافات، والتعويض. اضافة لعجز النخب القيادية الفلسطينية من اعادة انتاج نخب جديدة في المواقع القيادية المقررة بالرغم من أن الشعب الفلسطيني، شعب منتج ولم يكن شعباً (عاقراً) على آي من المستويات، وقد أثبتت الوقائع بأنه من أكثر الشعوب العربية قدرة وكفاءة على التأقلم، وعلى اعادة بناء نفسه في ظروف متتالية من الأزمات والمصائب التي عصفت بتجمعاته خارج فلسطين وحتى داخل فلسطين المحتلة، بما في ذلك داخل المناطق المحتلة عام 1948، حيث بقي عدد محدود من الشعب الفلسطيني على أرض الوطن دون نخب قيادية أو حتى اجتماعية وحتى دون نخب ذات حضور مؤثر، ومع ذلك فإن الفلسطينيين هناك، استطاعوا خلال عقدين من الزمن من اعادة انتاج حالهم ليتحولوا الى قوة مؤثرة ومؤطرة بحدود جيدة، ويحسب لها ألف حساب داخل مابات يعرف بدولة «اسرائيل».
ان الفرادة التي ميزت القضية الفلسطينية وحال الشتات للشعب الفلسطيني، والتداخل السلبي مع اشكاليات الحالة العربية (كما وقع في المرحلة الأردنية والمرحلة اللبنانية من العمل الوطني الفلسطيني) ساهمت بشكل او بآخر بادامة بقاء واستمرار (معادلات سلبية) كان من تداعياتها ونتائجها غياب روح الاصلاح الجدي والحقيقي عن عموم البيت الفلسطيني وفي عموم المؤسسات الوطنية للشعب الفلسطيني على مستوى منظمة التحرير الفلسطينية وعلى مستوى مجموع القوى والفصائل بمختلف مشاربها الفكرية الأيديولوجية والسياسية.
فكيف نرى حالنا الفلسطيني الآن، وهل من ربيع جديد (حقيقي) بنسخة فلسطينية خالصة (نقول نسخة فلسطينية خالصة) مغايرة لما جرى ويجري في بلادنا العربية من لغط بات يحيط بكل ربيع من تلك (الربوع). وهل من ربيع فلسطيني يعيد فيه الفلسطينيون التأسيس لانطلاقة جدية للعمل الوطني والسياسي، ربيع فلسطيني حقيقي ومغاير لما يجري في بعض بلداننا التي اختلط فيها الحابل بالنابل، وضاعت أهداف الناس ومطالبهم العادلة في لجة التداخلات والتدخلات الدولية..؟
الربيع بطبعته الفلسطينية الخالصة
ان التجديد المراد في البيت الفلسطيني عبر ربيع قادم، لايعني البتة القيام بانقلاب تقليدي مباشر لنسف القديم وتدميره واجتثاثه، بالمعنى الفكري والسياسي، وحتى بالمعنى الملامس للقيادات التي تعتقت في ميدان المواقع التي تأبدت باسمها في عموم القوى، بل ان المقصود بالربيع الفلسطيني المنشود هو القيام بعملية نقدية جدية وحقيقية لحالنا الفلسطيني، واعادة التأسيس لحالة جديدة لاتنفي القديم ولاتعدمه، بل تعمل على تكريس معادلة عنوانها «التزاوج بين خبرة القديم وروح الجديد» واعادة تحقيق جملة من الاصلاحات الجدية والحقيقية التي تأخذ بعين الاعتبار موقف الناس وصوتهم، وتقفز عن الخطاب الاصلاحي التقليدي التعبوي والانشائي الذي طالما سيطر على أدبيات مجموع الفصائل الفلسطينية منذ سبعينيات القرن الماضي.
فالربيع الفلسطيني المنشود يعني بالدرجة الأولى اصلاحا سياسيا أولاً، واصلاحا اداريا ومؤسساتيا ثانياً، واصلاحا للبنى التنظيمية لعموم القوى والأحزاب ثالثاً، وفي المقدمة منها منظمة التحرير التي تشكل الاطار الائتلافي الجامع لكل الشعب الفلسطيني بملايينه الاحد عشر المنتشرين في الداخل الفلسطيني وعلى امتداد دياسبورا الشتات والمنافي.
ان الاصلاح السياسي الجدي، يفترض كما يتم الآن الحديث عنه في حوارات تطبيق اتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية، ان هذا الاصلاح يفترض به أن يقفز عن المواقف الشعاراتية، وعن استيراد المبررات والشعارات التي تدغدغ المشاعر من «نيو سوبر ماركت الشعارات»، ليتم فتح الطريق أمام اصلاح سياسي يعيد الاعتبار لوحدة الصف والشعب الفلسطيني بين الداخل والشتات بعد سنوات طويلة من التمزق السياسي والكياني المؤسساتي في ظل التهميش الذي تعانية منظمة التحرير الفلسطينية.
اما الاصلاح الاداري والمؤسساتي، فالمفترض به أن يطاول كل المؤسسات الوطنية الفلسطينية المتواضعة الحضور في صياغة القرار. وأن يعيد لها الاعتبار بعد تغييب مستديم منذ أكثر من عقدين من الزمن، حيث غياب المؤسسات والمرجعيات القانونية المستقلة، وسطوة الفرد، وتكريس السلطات القائمة على هياكل مؤسسات هي أقرب لهياكل ومؤسسات أنظمة القوى الشمولية الاوليغاركية الاستبدادية التي تعاني منها شعوبنا العربية وشعوب العالم الثالث الملسوعة بكرابيج القمع.
وعليه، وفي سياق الاصلاح الاداري والمؤسساتي، فإن عنوانا اشكاليا كبيرا مازال يلف كل الحوارات الفلسطينية التي تمت خلال الفترات الماضية والتي توجت بتوقيع اتفاق المصالحة في القاهرة منتصف عام 2011 وماتلاه من توقيع لاعلان الدوحة. والعنوان الاشكالي المقصود يتعلق بملف المؤسسة الوطنية الشاملة للشعب الفلسطيني وهي منظمة التحرير التي يتصدر موضوع اعادة بنائها احد الملفات المعقدة في سياق عملية المصالحة الفلسطينية.
ان اشكاليات المنظمة الداخلية كبيرة ومتهددة، وتلخص عند أصحابها المخلصين لها، والى حد بعيد معنى الرغبة في تحقيق الاصلاح المؤسساتي المطلوب، ووضع حد للتهميش الذي تعانيه المنظمة ومؤسساتها، وانهاء حالة الطغيان والاستحواذ الفردي والشخصي، والوصول الى ذهنية تريد للشعب الفلسطيني أن يؤطر بناه ومجتمعه المدني على أساس من مأسسة الحياة الداخلية واحلال سيادة القانون، في مواجهة «عقلية تريد أن تحافظ على الارث السلبي الذي مازال يعشش ويفعل فعله في الساحة الفلسطينية» داخل البنى والمؤسسات وداخل عموم القوى والأحزاب والفصائل الفلسطينية وخاصة الفصائل اليسارية منها المتورطة في مستنقع الأزمات في الحالة الفلسطينية وعلى درجات من التفاوت.
ومن هنا القول بأن المسائل المثارة في الحوارات الفلسطينية لتحقيق المصالحة كان يجدر بها أن تكون أكبر من توزيع الصلاحيات أو المناصب والحصص على عموم المؤسسات والأطر القيادية للمنظمة، وأكبر من أسلوب النهج الاستخدامي الاستهلاكي على يد ملوك «اللعبة الداخلية».
كلام حق لا يراد به باطل
وبالطبع، فإن الحديث عن المنظمة أي منظمة التحرير التي تشكّل الائتلاف الوطني العريض للشعب الفلسطيني، لايعفينا من الحديث عن الحالة الفصائلية الفلسطينية، واشكالياتها الكبيرة الناجمة عن بنيتها اللاديمقراطية، وسطوة الفرد فيها، وغرق مجموعات منها في أزمات الفساد والافساد المستفحل في البيت الفلسطيني، والمسؤولة بشكل او بأخر عن الكثير من مظاهر التردي في المعادلة الفلسطينية.
ان احالة الأمور السلبية في جوانب كثيرة منها للفصائل، والحديث عن ضرورة اصلاح بناها ومؤسساتها ادارياً وتنظيمياً، ليس (كلام حق يراد به باطل) أو تصفية لحسابات معينة كما قد يخرج علينا بعض المتسرعين، بل هو الحقيقة بعينها في السعي الجاد والمخلص للحديث بشثفافية وديمقراطية عن أوضاع البيت الفلسطيني. فهل تستقيم الديمقراطية مع وجود أمين عام على رأس التنظيم منذ أكثر من (44) عاماً على سبيل المثال لا الحصر، وهل تستقيم الديمقراطية مع وجود قيادات تأبدت في مواقعها القيادية في المكتب السياسي منذ أكثر من (44) عاماً حتى الآن. فمن غير المنطق أن يبقى هذا العضو في المكتب السياسي وقد حضر الهزائم والولائم وارتكب الأخطاء والخطايا، ولن تتغبر أقدامه بتراب المخيمات أو حتى المناوشات، ومع هذا فهو على مقعد وثير من المهد الى اللحد.
ان الكلام الوارد أعلاه، قد يكون قاسياً، لكنه يأتي من باب النقد البعيد عن المجاملات، فمسار ومسيرة الاصلاح والربيع الفلسطيني المنشود بطبعته الفلسطينية الخالصة وغير المستوردة، الذي يعيد الاعتبار لهذا الشعب الفلسطيني العظيم، الذي قدم تضحيات مذهلة، وسكب من دماء أبنائه أنهاراً مازالت جارية، يستحق حالة فلسطينية جديدة، على كل المستويات الفصائلية والحزبية وعلى مستوى الاطار الأوسع المتمثل بمنظمة التحرير الفلسطينية.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي بدوان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/03/29



كتابة تعليق لموضوع : ماذا يريد الفلسطينيون في مناخ التحولات العربية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net