الإمام المظلوم محمد الجواد عليه السلام
عبد الحمزة المشهداني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبد الحمزة المشهداني

كوكب مشرق من بيت النبوة، ازدهت الدنيا به، وافتخرت ربى المجد وأشرقت في طلعته البهية في مدارج يثرب المنورة بأنوار النبوة، وتربى في مرابع الفضيلة والسمو (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) بيوت تربع اهلها على قمم النبل والرفعة، فكانت اشراقات فضائلهم تنير الدياجير وتزيل العتمة.
تميز سيدنا الامام محمد الجواد عليه السلام بأنه تحمّل أعباء الامامة في سن الفتوة، وتحمّل مالا يحتمل ممن حسبوا على الدين الحنيف، وتسلقوا كراسي النفوذ بلا كفاءة ولا قدرة، واصبحوا يسومون الناس العسف والهوان، وهم لا يستحقون ان يكونوا حتى في اسفل السلم.
كان سيدنا الامام الرضا عليه السلام يُسأل: من للأمر بعدك؟ فيقول: (ابني...) علما إن الامام آنذاك لم يولد بعد. وذكر بعض أصحاب الامام الرضا عليه السلام أنه كتب احدهم الى الامام كيف تكون اماما وليس لك ولد؟
فأجابه الامام الرضا عليه السلام: (وما علمك انه لا يكون لي ولد؟ والله لا تمضي الايام والليالي حتى يرزقني الله ذكرا يفرق بين الحق والباطل).
وعندما ولِدَ الامام الجواد عليه السلام ونشأ يقول صفوان بن يحيى: سألت الامام الرضا عليه السلام عمّن يخلفه؟ فأشار الى ولده ابي جعفر عليه السلام، وهو قائم بين يديه، فقلت: جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين؟ قال: (ما يضره من ذلك، قد قام عيسى بالحجة وهو ابن اقل من ثلاث سنين... وقال عليه السلام: انا اهل بيت يتوارثون أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة).
احتضن الامام الرضا عليه السلام ولده الامام الجواد عليه السلام، وضمه بين جوانحه، وكان يغذيه ويربيه وكأنه رجل كبير، وهو كذلك... وكان الامام ينظر الى ولده بالإكبار والإجلال ويسلك معه مسلكا غاية في التكريم والاحترام، فكان يخاطب ولده الامام الجواد عليه السلام بعبارات عالية، مما ترك ذلك التعامل انطباعا عاليا في كيان الامام عليه السلام.
وعندما غادر سيدنا الامام الرضا عليه السلام هذه الدنيا الفانية مسموما مظلوما (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) كان الامام الجواد (ع) مؤهلا لاستلام الامامة، وهو ابن التاسعة من العمر؛ لأنه تربى في حجور طابت وطهرت، ولا ضير في صغر السن؛ فالائمة الاطهار عليهم السلام كبار في القدر والمنزلة منذ ولادتهم وهم يتوارثون العلم (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) سورة القصص: 68 وقال عز من قائل: (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) سورة الدخان:32.
وبدأ كيد الكائدين الى الامام (ع) من البطانة المحيطة بعرش السلطان المأمون، وكان الله تعالى ناصره ويرد كيدهم الى نحورهم، فكانت المحاورة مع يحيى بن اكثم قاضي القضاة الشهير، والتي ألقمت الاعداء حجرا، واثبتت جدارة الامام (ع) كيف لا... وهو من نسل الائمة الاطياب عليهم السلام. وقد فرضت الاحداث على الخليفة المأمون أن يزوِّج الامام ابنته (أم الفضل) وشاءت ارادة الرحمن ان لا تخلف ام الفضل ذرية من الامام عليه السلام (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) وكانت ذرية الامام من زوجته الطاهرة (سمانة المغربية) رضي الله عنها، فولدت له: (الإمام علي الهادي عليه السلام، موسى المبرقع، الحسين، عمران... والسيدات الفاضلات: فاطمة، خديجة، ام كلثوم، حكيمة...) سلام الله عليهم أجمعين.
وينحصر عقب الامام (ع) في ولديه الامام علي الهادي عليه السلام والسيد موسى المبرقع.
عندما هلك المأمون وتربع على عرش السلطنة الظالم المعتصم، عاش الامام (ع) فترة شديدة عليه؛ فقد ضيّقت السلطة على الامام عليه السلام، وثبّت حوله العيون والجواسيس، وغلقت عليه السبل، وأصبح أتباع الامام في ضيق وحرج، وصار الوصول اليه واللقاء به مخاطرة، ولعب المنافقون أصحاب مجالس السوء دورا في تأليب السلطان على الامام وأصحابه، ومهما اسدلت السجن والموانع فانها لا تحجب نور الامامة الذي وضعه الله تبارك وتعالى في محيا أوليائه: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئوا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ).
وظل الامام الجواد عليه السلام يسعى كل ما سنحت له الفرصة ليبلغ تعاليم الدين الحنيف، ويقود مسيرة الهداية، لكن عهد المعتصم كان بلاء على أهل العلم والعلماء، وأوغر صدر السلطان المتجبر على الامام عليه السلام بواسطة سعاة السوء من الحاشية التي تتظاهر بالاسلام، والاسلام منهم براء، فدس السلطان السم للامام عليه السلام، فكانت وفاته (سلام الله عليه) بعد يوم وليلة... سيدي فدتك النفس لماذا يدس لك السلطان السم وهو قوي في العدة والعدد، وأنت لا تملك الجيوش، ولا تنازعه كرسي الملك، ألا يدل هذا على عظمتك وانت في محرابك، وصغر هذا السلطان وهو على عرش ملكه.... سيدي ان متسافل الدرجات يحسد من علا...
سلام عليك سيدي يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث حيا، لينال الظالم جزاء ما فعل.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat