الابتلاء ودوره في بناء الانسان ( 5 ) ظهور مجتمع الشرك
السيد عبد الستار الجابري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد عبد الستار الجابري

تشير النصوص الى تدرج الانحراف الفكري الذي شرع بصناعة تماثيل لشخصيات كانت غاية في الورع والتقى وكانوا ملجأ لأقوامهم في مختلف امورهم الدينية والدنيوية، فلما مات هؤلاء الصلحاء حزنوا عليهم فأقاموا لهم تماثيل لتذكرهم بهم ولشدة تعلقهم بهؤلاء الصالحين جعلوا تماثيلهم في البيوت ليكونوا دائما امام نواظرهم وليتذكروا محاسن افعالهم وجميل خصالهم، وبعد انقراض الاجيال الاولى اصبحت الاجيال اللاحقة تقدس التماثيل وتتبرك بها وتتضرع اليها الا ان الحال لم يصل الى عبادتها، وبعد انقراض تلك الاجيال عبدت الاجيال التي جاءت بعدهم تلك التماثيل واعتبروهم اربابا يرزقونهم ويفيضون عليهم الخير ويدفعون عنهم الشر.
في تلك الحقبة الزمنية اصحبت عبادة الاوثان الدين العام للمجتمع البشري فبعث الله تعالى نوحا (عليه السلام) ليدعو الناس الى التوحيد ونبذ عبادة الاوثان.
جوبهت دعوة نوح (عليه السلام) الى التوحيد بمعارضة شديدة من قبل الوثنيين، اذ كان لعامل الزمن والجهل دور كبير في ترسيخ عبادة الالهة المتعددة في الذهن الاجتماعي من جهة، ومن جهة اخرى كانت عبادة الاوثان تمنح قدسية ومقاما اجتماعيا رفيعا لكهنة المعابد الذين اثروا بما كان يقدم للمعبد من هدايا وقرابين، فكان للكهنة دور كبير في تأليب الراي العام ضد نوح (عليه السلام) حفاظا على مكتسباتهم التي تهددها دعوة التوحيد، كما ان العلاقة الوطيدة بين السلطة والكهنة الذي يحقق المنفعة المتبادلة بينهما حيث يمنح الكهنة صفة القدسية للسلطات الحاكمة ويأمرون الشعب باطاعة السلطة بامر الالهة كانت السلطة تمنح الكهنة الحماية وتمدها بمقومات الاستمرار، وكان كل من القصر والمعبد يستغلان الجهل الفكري لتحقيق المكاسب التي يرومونها.
(قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا ، وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا)
عند تتبع الآيات الشريفة نجدها تتحدث عن فترة طويلة دعى فيها نوح (عليه السلام) قومه الى التوحيد وترك عبادة الاوثان الا انه لم يستجب له الا عدد قليل من الناس. استمرت دعوة نوح (عليه السلام) 950 سنة لم يؤمن معه الا عدد قليل من البشر قيل انهم كانوا ثمانين شخصا حملهم معه في الفلك، اما الاجيال التي عاصرت دعوة نوح (عليه السلام) فكانت تجري على سيرة ابائها في رفض دعوته، واستمرارهم على العناد والطغيان والكفر والبعد عن الله تعالى .
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ، فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ)
لم تشر النصوص التي تناولت حقبة نوح (عليه السلام) عن ابتلاء المجتمع البشري بعقوبات مادية كالجوع والجدب والمرض للردع عن الاستمرار في الانحراف الفكري، بل اشارت بعض الروايات ان نوحا (عليه السلام) كان يتعرض لأنواع الاذى النفسي والجسدي، دون ان تشير الى تعرض ذلك المجتمع الى عقوبة الهية مادية، وعلى الرغم من كل تلك المعاناة كان نوح (عليه السلام) يصبر ويتحمل عسى الله ان يهدي قومه الى الحق وسواء السبيل، بل تشير بعض الروايات انه طلب من الله تعالى ثلاث مرات ان يمهل قومه عسى ان يعودوا الى جادة الصواب وكان كل مرة يطلب من الله ان يمهلهم 300سنة .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat