الابتلاء ودوره في بناء الانسان ( 3 ) هابيل وقابيل قصة الابتلاء الاولى على الارض
السيد عبد الستار الجابري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد عبد الستار الجابري

الحادثة الاولى على الارض التي تحدث عنها القران الكريم عن واقع الابتلاء في النعمة الالهية وطبيعة تعاطي المجتمع البشري معها هي قصة ابناء ادم عليه السلام هابيل وقابيل.
قال تعالى:
﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾
الآية الشريفة نصت على عدة امور:
1. ان ابني ادم عليه السلام كانا يمتلكان مما خلق الله تعالى على الارض، اذ ان تقريب القربان يفتقر ابتداءاً الى حيازة ذلك القربان وامتلاكه، كي يتقرب به العبد بعد ذلك الى مولاه، اذ لا يمكن للعبد ان يتقرب للمولى بأملاك الغير لأنه يكون تقرب بالمغصوب، وهذا لا يمكن ان يوصف بانه قربان، وهذا يرد على من يدعي ان المجتمع البشري الاول لم يعرف الملكية وتربية المواشي وان الملكية والعمل كان في مرحلة متاخرة من تطور الحياة البشرية على الارض.
2. تشير الآية الشريفة الى ان المناط في قبول العمل المتقرب له الى الله تعالى تحقق التقوى من العبد عند تقديمه لقربانه وادائه لعمله، وان العمل المجرد عن التقوى لا يترتب عليه الاثر المبتغى.
3. ان قبول القربان كاشف عن تحقق الكمال الروحي عند المتقرب، بينما رد القربان كاشف عن انتفاء صفة التقوى عن العبد وبالتالي عدم تحقق الكمال الروحي عند العبد.
4. ان المتجمع البشري الاول على الرغم من كونه مؤلفاً من عائلة نبوية الا ان ذلك لم يمنع ان يفشل في الاختبار الالهي، فرب العائلة هو ادم عليه السلام وهو نبي اصطفاه الله تعالى من بين خلقه ﴿ِ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ والام هي حواء عليها السلام رفيقة ادم عليه السلام في مسيرة نشر الحياة البشرية على الارض وهابيل او قابيل كلامهما ولد النبي الصلبي.
5. تبين الآية الشريفة ان قابيل اتصف بأخلاق سلبية في تعاطيه العبادي والأخلاقي، عباديا لم يكن متقيا لله تعالى اذ منطوق الآية الشريفة على لسان هابيل:
﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾
ومفهومها ان غير المتقي لا يتقبل الله منه، وأخلاقيا ارتكب قابيل عدة تصرفات منافية للأخلاق الفاضلة، اذ حسد اخاه وبدلا من اين يسعى لتطهير نفسه وتحصيل الكمالات الأخلاقية وقع في الحسد ولم يقف الامر عند حسده لأخيه بل اثار الحسد فيه مكامن الغضب الذي دفعه لقتل أخيه وبقتله لأخيه تحققت فيه عدة نواقص خلقية وهي معصية الرب وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين وقتل النفس المحترمة ظلما وعدوانا.
وفي المقابل كان هابيل عنوانا للكمال الانساني اذ كان تقيا بعيدا عن الحسد والغضب والانفعال مطيعا لله تعالى حافظا لصلة الرحم وبر الوالدين وطاعة الرحمن.
وعن ذلك يحدثنا القران الكريم على لسان هابيل:
﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أخيه فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾
6. اشارت الآية 30 من سورة المائدة ان قابيل بقتله أخيه خسر خسرانا مبينا، وطرد من الرحمة الالهية، وتشير النصوص الروائية الى ان ادم عليه السلام طرد قابيل ولم يسمح له ان يعيش بعد ذلك معهم فابتعد قابيل عنهم، وكان نتيجة البعد ان وجد على الارض مجتمعان مجتمع الصلاح والتقى الذي مثله اولاد النبي شيث بن ادم عليهما السلام ومجتمع المعصية والبعد عن الله تعالى الذي اسس له قابيل وشاع في اولاده .
ومن هنا يتضح ان الابتلاء بزينة الدنيا في المجتمع البشري الاول اثر في تحقق مجتمع صالح ومجتمع منحرف عن جادة الحق وكان السبب في ذلك هو اثر الابتلاء الذي تعرض له ابني ادم، فمن هنا يمكن القول ان ذلك الابتلاء اثر اثرا ايجابيا في ذرية ادم عليه السلام منشأه موقف هابيل الايجابي ونجاحه في الاختبار الالهي واما موقف قابيل السلبي وفشله في الاختبار الالهي فكان سببا في وجود مجتمع الانحراف والبعد عن الله تعالى.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat