الصلاة في العتبات المقدسة وفتاوى التكفير
محسن الموسوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محسن الموسوي

بعد أن فشل أعداء الإسلام في تكذيب الرسول الأكرم (ص) وخابت محاولاتهم في إحاطة القرآن الكريم بالشبهات، وهو المعجزة الكبرى التي جاء بها (صلوات الله عليه وعلى آله) وجدوا إن هناك قرآناً ناطقاً وعلماً غزيراً أودعه الله تعالى في أهل بيت محمد (ص) فجن جنونهم وتأججت الأحقاد الدفينة في نفوسهم الخبيثة، فأرادوا إبعاد أهل البيت (ع) عن قيادة مسيرة الإسلام وإزالتهم عن مراتبهم التي رتبهم الله تعالى فيها من خلال اغتصاب حقهم تارة وتقتيلهم تارة أخرى.
فعندما وجدوا إن التقتيل والتشريد والتعتيم الإعلامي لا يزيد آل محمد (ع) إلا علواً وشموخاً بل وإن أضرحتهم المقدسة بعد استشهادهم أصبحت مراكز علمية يستلهم منها طلبة العلم علومهم ويأتونها من كل حدب وصوب. ومساجد للعبادة والدعاء وأماكن للشفاء من كل داء يعجز عنه الأطباء. كيف لا وقد ذكره الله تعالى في كتابه العزيز حيث قال: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} سورة النور: 36 وبعد سقوط الدولتين الأموية والعباسية وهلاك ملوكهم في وقت تمر به الأمة الإسلامية في مرحلة حرجة وخطيرة. ظهرت الدعوات الضالة المضلة وجاءت الفتاوى التكفيرية من قبل أسيادهم الذين يدعون الأعلمية مثل (ابن حزم الأندلسي) و(ابن تيمية) في الحجاز وأطلقوا عليه (شيخ الإسلام) ولا ندري كيف أصبح هذا (شيخاً للإسلام). ربما حصل على هذا اللقب لعدائه لآل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم وكثير من هم بدرجة (أمير) و (أمير الأمراء) و(أمير دولة إسلامية) كما نرى اليوم في وقتنا الحاضر هؤلاء الكثير الذين تخرجوا من كلية (الذبح الزرقاوي). وهذه الدعوات التي ظهرت هي التي مهدت الطريق أمام (محمد بن عبد الوهاب) مؤسس الحركة الوهابية في بداية القرن الثامن عشر الميلادي بتوجيه من ضابط المخابرات البريطاني (همفر) كما ذكر في كتابه (مذكرات همفر) وظهرت أعمالهم الشنيعة جلية في بداية الثلاثينات من القرن الماضي عندما قاموا بهدم قبور الأئمة الأطهار (ع) في البقيع وهي جريمة شاخصة للعيان إلى يومنا هذا. كما إن فاجعة سامراء لا تزال جروحها لم تندمل. ولو تمعن هؤلاء بسور القرآن الكريم وتفكروا بآياته لاتضح لهم مدى ضلالهم وخطأهم الكبير. ولنضرب أحد الأمثلة على ذلك ولنبدأ بسورة من سور القرآن الكريم وهو كتاب الله الذي لا جدال فيه، قال تعالى في سورة الكهف، في بيان قصة أصحاب الكهف: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً) الكهف: (13). حيث فر هؤلاء الفتية بدينهم وأنفسهم من الملك (دقيانوس) المتجبر الذي يدعي الربوبية ويدعو الناس لعبادته، والذي لو كان قد علم بأمرهم لبطش بهم وعاقبهم على ذلك، حيث أوى هؤلاء الفتية إلى الكهف:{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} سورة الكهف: (25) وبعد هذه الفترة بعثهم الله تعالى من نومهم وبعثوا أحدهم ليشتري لهم طعاماً من المدينة فانكشف أمرهم لدى أهل المدينة. حيث اتضح لهم إن هؤلاء الفتية قد عاصروا الملك (دقيانوس) وهم من وزرائه، وهو ملك انتهى عهده فكان نومهم تلك المدة القاسية والطويلة معجزة من معجزات الباري عز وجل. وكان أهل المدينة من الموحدين على دين المسيح (ع) فأراد أهل المدينة أن يتحققوا من الأمر ويكافئوهم على إيمانهم وتوحيدهم لله تعالى، فجاءوا ومعهم الملك وبصحبة الفتى الذي ذهب لشراء الطعام فجاء إلى الكهف وأخبرهم بأن أهل المدينة والملك قد جاءوا لزيارتهم والتعرف عليهم: (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا} الكهف/21. فدعوا الله جميعا أن يقبض أرواحهم فقبض الله تعالى أرواحهم جميعاً وطمس باب الكهف على الناس. فبقي أهل المدينة يتنازعون فيما بينهم: {إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا} الكهف/21. ونحن نعرف أن القرآن الكريم دقيق في ألفاظه عميق في معانيه كيف لا وهو كتاب الله العزيز. فأشارت الآية الكريمة إلى فكرة بناء المسجد على هؤلاء الفتية ولا يعد نوعا من الغلو والتجاوز على حدوده، بل ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز. حيث قال الفريق الثاني من أهل المدينة (لنتخذن) فنلاحظ هنا (لام القسم) في بداية الكلمة وهي دليل على إصرارهم وتصميمهم وعزمهم على بناء المسجد. ثم أنهم لم يقولوا نبني عليهم مسجداً بل قالوا (لنتخذن) واتخاذ الشيء في اللغة العربية يعني المواظبة والاستمرارية وعدم الانقطاع عن العمل أي الصلاة والسجود والدعاء على ذلك المكان المقدس.
بينما قال الفريق الأول من أهل المدينة: (نبني عليهم بنياناً) أي أنه مجرد بناء يدل على مكان الكهف فقط لكن المسجد لا يشمل البناء فقط بل يشمل الصلاة ومكان السجود والدعاء في ذلك المكان المبارك. حيث أشارت الآية الشريفة إلى أن هذا جزاء لكل من يخلص في توحيده لله جل ذكره ويضحي من أجل إعلاء كلمة لا إله إلا الله. والآن يحق لنا أن نسأل ألم يكن أئمتنا الأطهار (ع) كذلك؟ نعم كانوا رمزاً للتضحية والفداء وهم رواد الفكر الإسلامي وهم الذين تعجز الأقلام والسطور عن إحصاء فضلهم ومآثرهم الخالدة فأصبحوا مزاراً لكل الشرفاء في العالم ومناراً للعلم والهداية.
وما قيمة الدموع والأموال والنفوس إذا ما قدمت قرباناً تحت أقدامهم (لقد أعطوا الله كل شيء فأعطاهم الله كل شيء) وما هو الضير في أنك تدعوا الله تعالى بحق هذا الإمام أو الرجل الصالح في أن يقضي لك حاجتك قال تعالى: {وابتغوا إليه الوسيلة} فما هي الوسيلة لقبول الدعاء غير محمد وآل محمد عليهم السلام. لكن أئمة الضلالة والتكفير عميت أبصارهم عن رؤية الطريق الواضح المستقيم وصموا آذانهم عن سماع كلمة الحق: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ} الأعراف: 118-119
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat