مسكينة أمي... فقد وقفت حائرة أمام سؤال صغير، ولكنه كبير في تفسيره، هو إذا كانت طائراتنا، إذن لماذا تستمتع طائراتنا بتحطيم حاجز الصوت على المدن الامنه فنحن لسنا في الجبهة ونحن لسنا العدو...؟! كان ذلك عندما رأيت طائرة للمرة الأولى في حياتي... فأصبت بنوبة رعب حملتني أمي وهي تطمئنني على أثرها.
والمرة الثانية التي رأيت فيها طائرة كانت في عام 1991 حيث كانت الطائرات تقصف وتدوي بأصوات مرعبة، ونحن نركض ولا نلتفت إلى الخلف. فضلنا أن نتلقى القنابل بظهورنا بدل أن نتلقاها بوجوهنا، ولكن الهيلوكبترات فضلت إرعابنا فقط أو لم تحن منيتنا بعد. وساعتها قررت رفض فكرة أن أصبح طيارا نهائيا من رأسي بعد أن كان حلمي في الطيران يجعلني ألح على أبي كلما يذهب إلى الجبهة وأقول له: اجلب لي خوذة طيار معك عندما تعود... فأراه يبتسم وهو يقول: ليتني أعود بخوذتي فقط يا بني !! وساعتها لم أكن اعرف ما يعني؟ على أي حال... تحطمت أحلامي بأن أصبح ذلك الطيار الذي يقصف الناس...
وفي 2003 كان الرعب يقتحم كل نوافذ روحي، عندما اسمع أصوات الطائرات الأمريكية وهي تقصف بشراسة المدن والجيش والمواقع، وأزيز صواريخها يملأ الجو برائحة الموت وطعمه ولونه. لطالما تمنيت أن تميز تلك الطائرات ما بيننا وبين أهدافها وتمنيت أن لا نكون من أهدافها ولا أي من الجيران كذلك، وعندما تسللت إلي الرغبة في أن أتجرأ وأشاهد الطائرة التي كانت تجوب السماء بارتفاعها المنخفض جدا، وقفت وسط مزيج من العواطف لم أكن اعرف بماذا اشعر ؟ وتخيلت نفسي وأنا أقود تلك الطائرة وأطلق الرصاص عليّ !! وأنا ألوّح للطائرة... حينها تلجلج شيء على لساني هو: لماذا الطائرات تتخذنا هدفا بدل أن تحمينا...؟ ولوّح لي الطيار الأمريكي، ولكني لم افرح بتلويحته، ولم اطمأن... لربما لأن تلك التلويحة ما كانت نابعة من الأعماق، وأخذ القلق يتسورني وأنا انزل لغرفتي...
واليوم رأيت طائرة تحمل كل ما حلمت به من القوة الطيبة وفيها رجل يلوِّح لي بحرارة حتى كاد يسقط منها ففهمت من تلويحته انه كان يقول لي: لا تقلق أنا هنا لحمايتك وحماية الزوار... تخللني دفء عميق لأنه كان أنا.............
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat