صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّامِنَةُ (٨)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

        {فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْاْ ۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.  

          كثيرُون يبدأُون مشوارهُم لتحقيقِ هدفٍ مُحدَّد، إِلَّا أَنَّ القليل منهُم همُ الذينَ يصلُون إِليهِ ويُحقِّقونهُ فأَغلب النَّاس لا يصِلُونَ إِلى الهدفِ المرسُوم أَو أَنَّهم يصلُونَ لغيرهِ كأَنيصلُوا إِلى هدفٍ عارضٍ.  

          الذي يُحقِّق هدفهُ المرسُوم والمقصُود هو الذي يستقيم على الطَّريقِ ويُصِرُّ عليهِ متحدِّياً كُلَّ عارضٍ في الطَّريقِ، أَمَّا غيرهُ فهو الذي يُغيِّر ويُبدِّل كلَّ يومٍ فتراهُ تائِها {إِنَّالَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا}.  

          فكيفَ تتحقَّق الإِستِقامة؟!.     

          أَوَّلاً؛ بالخُططِ وبنوعَيها قصيرة الأَمد وطويلة الأَمد، أَو ما يُطلق عليها صفة الخُطط التكتيكيَّة والأُخرى الإِستراتيجيَّة.  

          إِنَّ الخُطط هي واحدةٌ من أَدوات الإِستقامةِ.  

          فالفوضى وعدم التَّخطيط تُضيِّع الجهُود ولا تُثمرُ نتيجةً ولا تقُودُ أَو تنتهي إِلى هدفٍ.  

          ثانياً؛ الرَّقابة الذاتيَّة فالمرءُ بحاجةٍ إِلى التحقُّق من المسارِ وما إِذا كان ينتهي إِلى الهدفِ أَم أَنَّهُ ابتعدَ أَو قصُرَ أَو مالَ عنهُ.  

          وبالرَّقابةِ يُقيِّمُ المرءُ مسارهُ ويُعيدُ النَّظرَ في أَدواتهِ كُلَّما احتاج الهدفُ إِلى ذلكَ.  

          يقولُ الإِمام السجَّاد (ع) في دعاءِ مكارمِ الأَخلاق {اللَّهُمَّ لا تَدَعْ خَصْلَةً تُعَابُ مِنِّي إِلاَّ أَصْلَحْتَهَا، وَلا عَائِبَةً أُوَنَّبُ بِهَا إِلاَّ حَسَّنْتَهَا، وَلا أُكْرُومَةً فِيَّ نَاقِصَةً إِلاَّ أَتْمَمْتَهَا}.  

          هذهِ الرَّقابة الآنيَّة، أَمَّا عن الرَّقابة الإِستراتيجيَّة، الرَّقابة على كُلِّ العُمر، فيقولُ (ع) {وَعَمِّرْنِي مَا كَانَ عُمُرِي بِذْلَةً فِي طَاعَتِكَ، فَإِذَا كَانَ عُمُرِي مَرْتَعاً لِلشَّيْطَانِ فَاقْبِضْنِيإِلَيْكَ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَ مَقْتُكَ إِلَيَّ، أَوْ يَسْتَحْكِمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ}.  

          ثالثاً؛ التَّحديث كُلَّما اقتضت الضَّرورة لنأخُذَ بنظرِ الإِعتبار إِلى جانبِ الخُطط تغيُّر الظُّروف والطَّوارئ التي تمرُّ عليها.  

          مَن يخشى التَّحديث لأَيِّ سببٍ كانَ يفشلُ في مُواكبةِ التطوُّرِ في الخُططِ {قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}.  

          فالخُطط الجامِدة ضررُها كعدمِ التخطيط، لأَنَّها تعجز عن مُلاحقةِ المُتغيِّرات والظُّروف الطَّارِئة والإِنسجامِ معَ التطوُّراتِ.  

          ومَن لم يأخذ بنظرِ الإِعتبار هذهِ المُلاحظة فسيُفاجأُ بالطَّوارِئ التي يعجز أَمامها عن فعلِ شيءٍ لانَّهُ بالأَساس لم يأخذ إِحتمالاتِها بالحُسبان.  

          رابعاً؛ تثبيتُ العلامات الشَّاخصة على طولِ الطَّريق لتهدي إِلى الهدفِ المطلُوب {وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} أَو ما يسمِّيها القُرآن الكريم بالشَّعائر {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَمِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ} و {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ}.  

          وإِنَّكَ لترى فإِنَّهُ كُلَّما زادت العلامات الشَّاخصة في أَيِّ أَمرٍ من الأُمور تقلُّ الأَخطاء والخسائِر والفشل [علامات المرُور نمُوذجاً].  

          خامساً؛ الصَّبر وتحمُّل المخاطِر ومُواجهة التحدِّيات، إِلى جانبهِ التوكُّل وليسَ التَّواكل {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.  

          ومِنها ورُبما أَهمَّها في الوقتِ الرَّاهن الصَّبر على الدِّعايات والشَّائعات والطُّعون التي تتعرض لها كُلَّما نجحتَ، يقولُ تعالى في أَروعِ آيةٍ بهذا الصَّدد {وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَايَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} فاللِّسانُ أَقسى الأَعضاء في مواجهةِ النَّاجحينَ! ولذلكَ قالَ تعالى {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَالْكَافِرُونَ}.  

          فإِذا انهزمَ المرءُ أَمامَ أَبسط التحدِّيات ولم يصمُد بوجهِ أَعاصير الذُّباب الأَليكتروني الذي تموِّلهُ العِصابات الحاكِمة في البلادِ والتي هدفها تدميرُ خُططِكَ بمُجرَّد أَنتتعرَّض لـ [عجلٍ سمينٍ] مثلاً أَو تدوسَ على ذيلٍ! أَو تفضحَ دَور أَحد [الغُرباء] الذين يتدخَّلونَ في شؤُونِ بلادِكَ ويُخطِّطونَ لتدميرِها والحيلولةِ دُونَ نهُوضِها! وإِذا ظلَّكريشةٍ في مهبِّ الرِّيح يُغيِّر خُططهِ كُلَّما حدَّثهُ أَحدٌ أَو اقترحَ عليهِ آخر أَو تشاورَ معَ ثالث، فكيفَ سيُحقِّق أَهدافهُ المرسُومة؟!.  

          هذا دليلٌ على أَنَّهُ ليسَ واثقاً لا من خُططهِ ولا من أَهدافهِ ولا من أَدواتهِ ولا من رُؤيتهِ، فأَولى لهُ أَن لا يضحكَ على ذقنهِ ويدَّعي أَنَّهُ صاحب مشرُوع وخُطط وأَهداف.  

          والذي يُساعدنا على الإِستقامةِ هو أَن تشتمِلَ خُططنا [الزَّمنيَّة] على القراءةِ والتَّعليمِ والتَّفكيرِ، فإِنَّ من أَعظمِ الأَخطاء التي يرتكبها كثيرُون عندما يتصوَّرُونَ أَنَّ مُتابعةمنشورات وسائل التَّواصل الإِجتماعي تُغني عن القِراءة لكسبِ المعرفةِ والتسلُّح بالعلمِ للبدءِ بوضعِ الخُطط.  

          أَبداً لأَنَّ مثل هذهِ المنشورات التي لا يتعدَّى نفعُها على هذا الصَّعيد عن [١٪؜] في أَحسنِ الفروضاتِ تفتقرُ إِلى أَساسٍ مُهمٍّ من أُسُس التَّعليم والمعرِفة أَلا وهوَ التراكميَّةوالصِّفة البحثيَّة وبُعد التَّركيز والتي لا تجدها إِلَّا عندما تقرأ كتاباً أَو مجلَّةً فصليَّةً أَو بحثاً مُتخصِّصاً، أَمَّا المنشورات التي تصلكَ أَو تتابعها في وسائلِ التَّواصلالإِجتماعي فهي لا تتعدَّى كونها سندويجيَّات أَغلبها يدخُل في إِطار نشر الغسيل القذِر بينَ [الأَصدقاء] و [الأَعداء] على حدٍّ سَواء.  

          إِنَّ النَّتيجة النِّهائيَّة لمُتابعتِكَ منشورات وسائل التَّواصل الإِجتماعي عادةً تساوي [صِفر] وهي تقودَكَ إِلى التَّسطيح الفكري والخمُول الذِّهني والتَّضليل لكَثرةِ ما تحملُ منأَكاذيب وفبركات! لأَنَّها وببساطةٍ تسلُب منكَ القُدرة على التأَمُّل لكثرتِها وسُرعةِ انتشارِها وتتعدُّد وتناقُض اتِّجاهاتها باللَّحظةِ الواحدة.  

          لا تستعيض بشيءٍ عن الكتابِ أَبداً!.  

          وصدقَ الشَّاعر المُتنبِّي الذي قال؛  

          أَعَزُّ مَكانٍ في الدُنى سَرجُ سابِحٍ     

          وَخَيرُ جَليسٍ في الزَمانِ كِتابُ  
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/04/20



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّامِنَةُ (٨)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net