جهاد الامام علي عليه السلام مع الرسول صل الله عليه واله )
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

(وقعة الأحزاب "غزوة الخندق"*)
وتسمَّى أيضاً "غزوة الخندق" وكانت في ذي القعدة، سنة خمس من الهجرة 1 .
وقيل: في شوال2، وقيل: في السنة السادسة، بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة بخمسة وخمسين شهراً3.
وكان سببها: لمَّا أجلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني النضير ساروا إلى خيبر، وحزَّبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقدموا على قريش بمكَّة، وألَّبوها على حرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقالوا: نكون معكم حتَّى نستأصله، وما كان من أمر قريش الا أن تستجيب لضالَّتها المنشودة في القضاء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعوانه.
وتجهَّزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من العرب، فكان جميع القوم الذين وافوا الخندق، ممن ذُكر من القبائل، عشرة آلاف، وهم الأحزاب، وكانوا ثلاثة عساكر بقيادة أبي سفيان بن حرب.
فلمَّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خبرهم جمع المسلمين، وحثَّهم على الجهاد والصبر والاستعداد لمقابلة الغزاة وشاورهم في الأمر، فأشار عليه سلمان الفارسي بالخندق، فأعجب ذلك المسلمين، لأنَّ عملاً من هذ النوع لابدَّ وأن يعرقل تقدُّم الغزاة، ويخفِّف من أخطار المجابهة بين الفريقين.
وأقبل المسلمون جميعاً يحفرون خندقاً حول المدينة، وجعل رسول الله لكلِّ عشرة أربعين ذراعاً 4 .
ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معهم يحفر وينقل التراب، وفرغوا من حفره في ستة أيام، وكان سائر المدينة مشبك بالبنيان، فهي كالحصن، وكان المسلمون يومئذٍ ثلاثة آلاف مقاتل.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقتال قريش وأحباشها، وهنا كانت الصدمة الكبيرة على قريش، وهي تحسب أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه لا يثبتون لها ساعات قلائل بهذا العدد الضخم، وإذا بها تجد بينها وبين المسلمين حاجزاً لا يمكن اجتيازه الا بعد جهود شاقة، لاسيَّما وأنَّ أبطال المسلمين وقفوا بالمرصاد لكل من تحدِّثه نفسه باجتياز ذلك الحاجز، فأُذهلت بعد أن كانت مغرورة بقوتها الجبَّارة!
وأنكروا أمر الخندق، وقالوا: ما كانت العرب تعرف هذا، وأقاموا على هذه الحال ـ الرشق بالنبل والحجارة ـ مدَّة خمسة أيام دون قتال.. 5 .
فلمَّا كان اليوم الخامس خرج عمرو بن عبد ودٍّ العامري ـ وكان يعدّ بألف فارس ـ وأربعة نفر من المشركين: نوفل بن عبدالله بن المغيرة المخزومي، وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطَّاب الفهري، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، واقتحموا الخندق من مكان ضيِّق، وركز عمرو رمحه في الأرض ـ وهو ابن تسعين سنة 6 .
وأخذ يجول، ويدعو إلى البراز ويرتجز:.
ولقــد بححتُ من النـداءِ * بجمعهم هــل من مبارز؟
انِّـي كـذلــك لـم أزل * متسرِّعاً نحـو الهزاهــز
إنَّ الشجاعــة فـي الفتى * والجود من خير الغرائز 7 .
وكأنَّ هذه الكلمات نداء إلى الموت، فلم يجبه أحد من المسلمين، وفي كلِّ مرّة يكرّر فيها نداءه كان يقوم له عليُّ بن أبي طالب عليه السلام من بينهم ليبارزه، فيأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجلوس، انتظاراً منه ليتحرَّك غيره، ولكن لم ينهض أحد؛ لمكان عمرو بن عبد ودٍّ ومن معه.
ومضى عمرو يكرِّر النداء والتحدِّي للمسلمين، فقام الامام عليٌّ عليه السلام مرَّةً أُخرى، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: "إنَّه عمرو"، ونادى مرَّةً أُخرى، فقام عليٌّ عليه السلام، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال له: "ادنُ منِّي" فدنا منه، فنزع عمامته عن رأسه وعمَّمه بها وأعطاه سيفه ذا الفقار، وقال له: "امضِ لشأنك" ثُمَّ رفع يديه وقال: "اللَّهمَّ إنَّك أخذت منِّي حمزة يوم أُحد، وعبيدة يوم بدر، فاحفظ اليوم عليَّاً، ربِّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين".
وقال نبيُّ الله صلى الله عليه وآله وسلم لمَّا دنا عليٌّ عليه السلام من عمرو: "خرج الإيمان سائره إلى الكفر سائره"..
فبرز إليه عليٌّ، وهو يقول:
"لا تعجلـنَّ فقد أتــاك * مجيب صوتك غير عاجز
ذو نيَّةٍ وبصيــرة والـ * صدق منجي كلَّ فائــز
إنِّي لأرجـو أن أُقيـم * عليك نائحـة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقى * صيتها بعد الهزاهز"
فلمَّا انتهى إليه قال: "يا عمرو إنَّك في الجاهلية تقول: لا يدعوني أحدٌ إلى ثلاث الا قبلتها، أو واحدة منها". قال: أجل. قال: "فإنِّي أدعوك إلى شهادة أن لا إله الا الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله، وأن تُسلم لربِّ العالمين". قال: يا ابن أخ، أخِّر هذه عنِّي. فقال له عليٌّ: "أمَّا إنَّها خيرٌ لك لو أخذتها".
ثُمَّ قال: "فها هنا أُخرى" قال: ما هي؟ قال: "ترجع من حيث جئت". قال: لا تَحدَّث نساء قريش بهذا أبداً.
قال: "فها هنا أُخرى". قال: ما هي؟ قال: "تنزل تقاتلني" فضحك عمرو وقال: إنَّ هذه الخصلة ما كنت أظنَّ أنَّ أحداً من العرب يرومني مثلها، إنِّي لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، وقد كان
*
(*غزوة بدر الكبرى* )
هي أول معركة يحارب فيها الإمام عليٌّ عليه السلام دفاعاً عن الإسلام، وقد دفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه المعركة رايته إلى الأمام عليٍّ، وكان عمره يوم ذاك 25 سنة، وبرز عتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة بن ربيعة، ودعوا المسلمين إلى البراز، فبرز إليهم ثلاثة من فتيان الأنصار، وهم من بني عفراء: معاذ ومعوذ وعوف 2
فلمَّا وقفوا في مقابل عتبة وأخيه وولده، ترفَّعوا عن مقاتلتهم، وطلب عتبة من النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يرسل له الأكفّاء من قريش.
فالتفت نبيُّ الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني عمومته، وأحبَّ أن تكون الشوكة في بني عمِّه وقومه، وقال: "قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا حمزة بن عبدالمطَّلب، قم يا عليَّ بن أبي طالب"، فقاموا مسرعين، يهرولون بين الجيشين على أقدامهم، بقلوب ثابتة، عامرة بالإيمان، ووقفوا أمام القوم، فقال عتبة: تكلَّموا نعرفكم، وكان عليهم البيض، فقال حمزة: أنا حمزة بن عبدالمطَّلب، أسد الله، وأسد رسوله، فقال عتبة: كُفءٌ كريم، وأنا أسد الحلفاء، من هذا معك؟ قال: عليُّ بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث، قال: كُفآن كريمان3.
فبرز عبيدة بن الحارث ـ وكان عمره سبعين سنة ـ إلى عتبة بن ربيعة ـ وقيل شيبة 4 ـ فضربه على رأسه، وضرب عتبة عبيدة على ساقه فقطعها، وسقطا معاً، وحمل عليٌّ عليه السلام على الوليد ـ وكانا أصغر القوم سنَّاً ـ فضربه عليُّ بن أبي طالب عليه السلام على حبل عاتقه، فخرج السيف من إبطه، وحمل حمزة على شيبة فتضاربا بالسيف حتى انثلما، فاعتنق كلُّ واحد صاحبه، وكان حمزة أطول من شيبة، فصاح المسلمون: يا علي، أما ترى الكلب قد بهر عمَّك؟ فأقبل عليهما، فقال عليٌّ: "طأطئ رأسك يا عم" فأدخل حمزة رأسه في صدر شيبة، فضربه الإمام على عنقه فقطعها، ثُمَّ كرَّ عليٌّ عليه السلام وحمزة على عتبة فأجهزا عليه، وحملا عبيدة فألقياه بين يدي ابن عمِّه الرسول، فاستعبر وقال: "ألستُ شهيداً يا رسول الله؟" قال: "نعم". قال: "لو رآني أبو طالب لعلم أنَّنا أحقُّ منه بقوله:5
ونُسْلمه حتَّى نصرَّع حولــهُ***ونذهل عن أبنائنا والحلائلِ"
ولم يلبث بعدها إلاّ يسيراً، وهو أول شهيد من المسلمين في تلك المعركة.
وبرز بعدهما حنظلة بن أبي سفيان إلى الامام عليِّ بن أبي طالب عليه السلام، فلمَّا دنا منه ضربه عليٌّ بالسيف، فسالت عيناه، وسقط كالذبيح على رمال بدر، ثُمَّ أقبل العاص بن سعيد بن العاص يطلب البراز، فبرز إليه عليٌّ عليه السلام وقتله.
ولمَّا رأت مخزوم كثرة القتلى من المشركين، أحاطوا بأبي جهل خوفاً عليه، وألبسوا لامة حربه عبدالله بن المنذر، فصمد له الامام عليٌّ عليه السلام وقتله، ثُمَّ ألبسوها الفاكه بن المغيرة، فقتله حمزة وهو يظنُّه أبا جهل، وألبسوها بعدهما حرملة بن عمرو فقتله الامام عليٌّ عليه السلام أيضاً، وأبى أن يلبسها أحد بعدما رأوا صنيع عليٍّ وحمزة.
ثمَّ التحم الجيشان، ودار بينهما أعنف قتال، فتساقطت الرؤوس وتهاوت الأجسام.
وقَتَلَ الامام عليٌّ عليه السلام ـ فيمن قتله يوم ذاك ـ نوفل بن خويلد، وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد قال فيه: "اللَّهمَّ اكفني ابن العدوية".
واشترك النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم مع المسلمين، وكبرياء مشركي قريش تتهاوى تحت الأقدام، ثمَّ أخذ كفَّاً من التراب ورمى به إلى جهة المشركين قائلاً: "شاهت الوجوه، اللَّهمَّ أرعب قلوبهم"، فانهزموا تاركين أمتعتهم وأسلحتهم، وانجلت المعركة عن مقتل سبعين رجلاً من مشركي قريش، وكانوا سادات قريش وأبطالها، وأُسر منهم سبعون رجلاً، وفقد المسلمون أربعة عشر شهيداً ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار.
وانطوت صفحة التاريخ معربة عن أول انتصار حقَّقه المسلمون على صعيد المعارك، وتجلَّت هذه الانتصارات ببطولات بني هاشم ولا سيَّما الإمام علي عليه السلام، الذي كان متعطِّشاً لحصد أشواك الشرك وتثبيت دعائم الإسلام.
وقد أحصى بعض مصادر التاريخ من قتلهم عليٌّ 35 رجلاً، وذكرتهم بعض المصادر بأسمائهم 6.
*
(*وقعة بني النضير* )
غزا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني النضير في شهر ربيع الأول سنة أربع على رأس سبعة وثلاثين شهراً من مهاجره1. وبنو النضير هم فخذٌ من جذام إلّا أنَّهم تهوَّدوا، ونزلوا بجبل يقال له: النضير، فسُمُّوا به.
وجاء في سبب هذه الغزوة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشى إلى كعب بن الأشرف ووجهاء بني النضير، يستقرضهم في دية الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أُمية الضمري، فقالوا: نعم، نعينك على ما أحببت، ثُمَّ خلا بعضهم ببعض وتآمروا على قتله، فنزل جبرائيل عليه السلام وأخبره بما همَّ به القوم من الغدر، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه الخبر
وأمر المسلمين بحربهم، ونزل بهم، وكانت رايته مع الامام عليِّ بن أبي طالب عليه السلام 2 .
فتحصَّن اليهود في الحصون، وأرسل إليهم عبدالله بن أُبي وجماعة معه أن اثبتوا وتمنَّعوا، فإنَّا لن نسلمكم...
وروي أنَّ الإمام عليَّ عليه السلام فُقد في إحدى ليالي حصار بني النضير، فقال رسول الله: "إنَّه في بعض شأنكم" وبعد قليل جاء عليّ برأس "عزوك" أحد أبطال بني النضير، وقد كمن له الإمام علي عليه السلام حتى خرج في نفر من يهود يطلبون غرَّة من المسلمين، وكان شجاعاً رامياً
فكمن له عليٌّ عليه السلام فقتله، وفرَّ اليهود، فأرسل نبيُّ الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا دجانة وسهل بن حنيف، في عشرة من رجالات المسلمين، فأدركوا اليهود الفارِّين من سيف الإمام عليٍّ عليه السلام،
وطرحت رؤوسهم في الآبار، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يُجليهم ويكفَّ عن دمائهم ـ بعد أن خذلهم ابن أُبي ـ فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محمَّد بن مسلمة إليهم: أن يخرجوا من بلادهم ولهم ما حملت الإبل من خُرثي متاعهم، ولا يخرجون معهم بذهب ولا فضة ولا سلاح3. وأجّلهم في الجلاء ثلاث ليال.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat