العقيدة موقف وتضحية
الحاج سهيل عبد الزهرة الزبيدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الحاج سهيل عبد الزهرة الزبيدي

من الواضح والمعلوم ومن خلال كتب السيرة والتاريخ، أن سيدنا أبي الفضل العباس (عليه السلام) جاد بأغلى ما يملك في الحياة، ألا وهي روحه الطاهرة، وقدمها بين يدي سيده ومولاه أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) يوم الطف الخالد، وأخذ يقدم اخوته الأبطال بين يدي الامام السبط (عليه السلام) واحداً بعد الآخر؛ ثباتاً منه للعقيدة المحمديةالخالصة حتىاستشهدوا جميعاً.
وكان (عليهالسلام) كفيلاً لأخته الحوراء زينب (عليها السلام) عندما توجهت العائلة الكريمة الى كربلاء المقدسة، فلم من يهن من هذه الكفالةالسخية والشجاعة، وعندما ظمئت العائلة طلب الإمام الحسين (عليهالسلام) أن يأذن له بجلب بالماء مننهر الفرات، فأذن له الإمام (عليه السلام) فتوجه أبو الفضل (عليه السلام) الىالمشرعة، وفي الجانب الآخر أمر عمر بن سعد (لعنه الله) بأربعة آلاف مقاتل لمنع معسكر الحسين (عليه السلام) من الوصول الى الماء بقيادة عمرو بن الحجاج الزبيدي، وكان ابن سعد يصرخ بين جيشه الظالم: (اقتلوهم عطشاً)..!
وهذا الموقف يذكرنا بموقف قريش حين منعت الماء والطعام من الوصول الى رسول الله (ص) ومن معه من المؤمنين المحاصرين في شعاب أبي طالب (عليه السلام) الرمز الروحي للإسلام.
وكان موقف صاحبالعقيدة والتضحية صلباً لا يُقاس به موقف أبداً لجلب الماء حينما اقتحم المشرعة، وفيها أربعة آلاف مقاتل، فكشفهم عن المشرعة، فقتل من قتل وجرح من جرح، وانهزم الباقون تاركين المشرعة بين يدي أبي الفضل (عليه السلام) فهو الظمآن منذ ثلاثة أيام لم يشرب الماء، عندها نزل الى الماء فكان (عليه السلام) مدرسة في الفضل والإباء، تتعلم منه الانسانية كيف يكونون أباة عند الشدائد والمحن، فاغترف غرفة من ذلك الماء المعين ليشربها فتذكر عطش أبي عبد الله (عليه السلام) وعائلته، فقال:
يا نفسُ من بعد الحسينِ هوني ... وبعده لا كنتِ أو تكوني
هذا حسينٌ واردُ المنون ... وتشربينَ باردَ المعينِ
تااللهِ ما هذا فعالُ ديني
فهو (عليه السلام) يعرف أن أبا عبد الله (عليه السلام) هو إمام زمانه، ومفترض الطاعة، فهذا الموقف الإيماني بالله ورسوله ولسيده الامام السبط (عليه السلام) ووفاء منه ضحى بدمه الطاهر، ولم يبع عقيدته بأموال الدنيا وزبرجها، فكان (عليه السلام) شديد المراس لا يستطيع أي فارس التقرب منه إلا غدرا، فهو (عليه السلام) نافذ البصيرة لقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): (كان عمي العباس نافذَ البصيرة، صُلبَ الإيمان، أبلى بلاء حسناً)، عندما طلب منه عمر بن سعد أن يترك معسكر الحسين (عليه السلام) ويلتحق بمعسكر الضلال، ويكون قائداً لذلك الجيش المنحرف عن الخط الاسلامي الصحيح، فأجابه (عليه السلام): (أتمنيني بدنيا زائلة وأمان وابن رسول الله ليس له أمان) فهذا الإيمان بعينه والشجاعة بعينها.. وصدق الشاعر بأبياته حين قال:
يا سليلَ الطهر تفديك النفوس ... وقليل فيك بالنفسِ نجود
ولنا العباسُ فيها رائداً ... جادَ بالنفس ومقطوع الزنود
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat