الخزف ذو البريق المعدني في العراق
فاضل طلال القريشي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
فاضل طلال القريشي

إن الروح السمحة للإسلام لا تتماشى والترف واستعمال الخامات الغالية كالذهب والفضة، اتجه العراقيون في السعي وراء إيجاد طريقة صناعية تعطي المادة الخام التي يصنع منها الخزف بريق الذهب واهتدوا في آخر المطاف إلى ابتكار هذا النوع من الخزف الذي يعطي للأواني جمال الذهب ومن العراق انتشر الخزف ذو البريق المعدني إلى كافة أنحاء العالم ولم يقتصر الجمع بين الألوان الفنية على الأواني فحسب بل وجد كذلك على بلاطات استخدمت في تزيين جدران قصر سامراء، وكانت بمتحف برلين أمثلة منها على جانب عظيم من الجمال، ويزين بعض هذه التربيعات رسم ديك داخل إكليل مضفر على أرضية صفراء مرمرية.
وهناك أشكال أخرى من البلاطات كالتي تعرض الآن في متحف المتروبوليتان، وعليها رسوم بقع بالبريق المعدني ذو اللون الأحمر والأصفر والأخضر والبني وهي تقليد لقطع الرخام.
تدل حفريات نيسابور على أن خـّزافي أقليم خراسان قلدوا ذلك النوع في خزفهم أما ما عثرعليه في مصر ولا سيما في الفسطاط وبعض الأماكن الأخرى من الخزف ذي البريق المعدني المتعدد الألوان فمن الراجح أنه مستورد من العراق.
ويرى البعض أن جميع قطع هذا النوع من صناعة مصر بل يذهب البعض إلى أبعد من ذلك فينسب ما عثر عليه من خزف بالبريق المعدني في العراق إلى صناعة بغداد وسامراء والمدائن.
ومن الكلمات التي انتشرت في أوربا ولها صلة بهذا الخزف كلمة (ALBARELLI) المأخوذة من الكلمة العربية (البرنية) التي كانت تطلق على القدور الصغيرة المصنوعة من الخزف ذي البريق المعدني التي كانت تصدر إلى أوربا وهكذا يكون العمل الفني صورة رائعة عن الرابطة التي تربط الفنان بالإنسانية وارتكاز الفن العراقي على هذه المبادئ السامية، وقد أوجد حلاً لمشكلة هامة من مشاكل التذوق والنقد الفني ويكفي القول أن المتذوق أمام أي عمل فني يريد أن يبحث عن ذاته التي يعرفها بوضوح، أو التي يسعى إلى معرفتها من خلال القضايا الكبرى ومن خلال مستوى العصر ومن خلال مواقف الآخرين فالعمل الفني الذي تتجلى به شخصية الأمة العراقية هو العمل الأصيل، وليس من شك أن الأعمال الأصيلة هي التي تفرض نفسها على التاريخ، وتنقل مضمونها إلى خارج الحدود القومية لكي تصبح قضية انسانية مشتركة، ولم يكن الفن في جميع عصور التاريخ إلا مظهراً من مظاهر حضارة كل أمة من الأمم، بل لم تكن أية حضارة من الحضارات الكبيرة إلا نتيجة عملية للمشاركة في الانتاج والابداع والكشف عن الطابع الوطني في الفنون القديمة، هو ذلك الارتباط الوثيق بين روح الأمة وحضارتها، وقد حصلت الحضارة العراقية على سمات متميزة عن سمات الطرز الأخرى.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat