مسرح الجريمة الخارجي (المفتوح): خصائصه وبحثه وتوثيقه وتفاصيل اخرى
د . رفعت الجميلي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . رفعت الجميلي

مدخل:
لعله من المناسب في هذا المقام- و قبل الخوض في تفاصيل هذا المقال الذي يتعلق بمسرح الجريمة الخارجي-ان أقول ان الناظر او المتابع لأجهزة الشرطة في العالم يمكنه ان يلمس الفرق بين أجهزة الشرطة التي تنزل الاهتمام بمسرح الجريمة الخارجي المنزلة اللائقة به، وتلك الأجهزة آلتي تنظر الى مسرح الجريمة الخارجي على انه حلقة ثانوية بالنسبة لضابط التحقيق او ترف شرطوي، اذ يمكن ملاحظة ان أجهزة الشرطة التي تولي مسرح الجريمة الخارجي اهتماما وعناية قد حققت او ارتقت في معايير التعامل مع الأدلة الجنائية في مسرح الجريمة الخارجي كما ارتقت بمستوى جودة التحقيقات الجنائية في القضايا لا سيما بالجرائم المنظمة و الجرائم الإرهابية على الرغم من ازدياد اعدادها و تعقد اساليبها و تنوع دوافعها، مما مكنها من ان تصبح أجهزة شرطة فعالة تملك زمام أمورها. بينما تعاني أجهزة الشرطة الأخرى التي تلجأ الى تجاهل وإهمال مسرح الجريمة الخارجي من اللامبالاة والتخلف التكنولوجي والعجز في المتخصصين في هذا المجال. و من هنا يمكنني ان أقول ان التعامل بجدية مع مسرح الجريمة الخارجي ليس خيارا مطروحا للأخذ و الرد، بل هو شرط جوهري و أساسي من إجراءات التحقيق الجنائي الأساسية لتحقيق العدالة التي من شأنها ان توصلنا الى المرتكب الفعلي والحقيقي للجريمة.
هدف المقال:
من الجدير بالملاحظة ان هذا المقال يستهدف إذكاء الوعي بأهمية مسرح الجريمة الخارجي و يقدم معلومات موجزة لمراحل التحقيق والتحري فيه والمقال لا يتضمن معلومات سواء عن ضوابط المحافظة على مسرح الجريمة الخارجي و مباشرة العمل فيه او بخصوص جمع ورفع الأدلة المادية من مسرح الجريمة الخارجي. فضوابط المحافظة على مسرح الجريمة الخارجي وآليات رفع و جمع الأدلة المادية متاحة في أماكن أخرى، و ينبغي الاستفادة منها والانتفاع بها عند الحاجة الى توجيه عملي تطبيقي لأجراءات العمل في مسرح الجريمة الخارجي.
١.مفهوم مسرح الجريمة الخارجي (المفتوح):
وهو ذلك المكان المفتوح الذي لا تحده حدود معينة (مثل شارع، طريق عام، حديقة، شاطيء، مكان زراعي، حقل، مكان صحراوي، منطقة جبلية، الخ) والذي وقعت فيه الجريمة، او يقصد به المكان الذي نقلت اليه بعض او كل معالم الجريمة، وبذلك يعتبر مسرح الجريمة الخارجي من اصعب المسارح التي يتم التعامل معه مقارنة بباقي الأنواع الأخرى من مسرح الجريمة. ومسرح الجريمة الخارجي مفهوم لا يقتصرعلى الجثث اوالأشلاء اوالبقايا البشرية المتحللة او المتعفنة فقط، فهناك الجثث التي يمكن التعرف على أعضاء الجسم من خلالها وهناك الجثث التي يمكن التعرف على هويتها. لذلك اقول عندما يتعلق الامر بمفهوم مسرح الجريمة الخارجي لا يهم ان كانت الجريمة قد وقعت قبل أسابيع او اشهر او سنوات او عقود او حتى قبل ساعات، بل على انها وقعت في فضاء مفتوح او مكان مكشوف خارج الأماكن المحصورة اوالمبنية.
٢. خصائص مسرح الجريمة الخارجي:
يكاد يكون من الصعب فهم مفهوم مسرح الجريمة الخارجي في كلمات قليلة. أفضل طريقة لفهم مفهوم وطبيعة ونطاق مسرح الجريمة الخارجي من خلال وصف خصائصه. يتميز مسرح الجريمة الخارجي بمجموعة من الخصائص، و التي من ابرزها مايلي:
• يتأثر مسرح الجريمة الخارجي بالعديد من العوامل الخارجية التي تنتج عن الأنشطة البشرية في ذلك المسرح حيث ان غياب الحدود و العوائق و اتساع المكان يساعد على سهولة الوصول و الدخول اليه من قبل الجمهور نتيجة الفضول او انخفاض الوعي المجتمعي فيعبثون في محتوياته و بالتالي تختلط آثارهم مع الاثار و الأدلة الجرمية التي خلفها المجرم في مسرح الجريمة، و يتأثر كذلك بالعوامل التي تنتج عن أنشطة الكائنات الحية التي تشمل الحيوانات والحشرات والتي قد تأكل او تلتهم الجثة مما يؤدي الى العبث في الدليل او الأثر المادي.
• يتأثر مسرح الجريمة الخارجي بظروف المنطقة و طبيعة مناخها. حيث ان الحرارة ، البرودة، الرطوبة، والأمطار من اهم العوامل التي تسهم في احداث تغيير في مسرح الجريمة الخارجي وطمس الاثار والأدلة المادية الدالة على مرتكب الجريمة وبالتالي ضياع معالمه في زمن قصير جدا. يضاف الى ذلك، هناك حالات أيضا قد يتعرض فيها مسرح الجريمة الخارجي الى الرياح و العواصف و التي تحرك الاثار او الأدلة المحتمل و جودها في مسرح الجريمة من مكانها و تنقلها الى مكان اخر او ربما تجلب اجسام او أشياء ليس لها صلة به. و في مثل هذه الحالات ومن الناحية التحقيقية فأن أنواع هذه الأدلة ومواقعها و علاقاتها مع بعضها سيعطي تفسيرا خاطئا للأحداث التي تسببت في وجودها. ويعني ذلك مالم يكن هناك فريق علمي و تقني متخصص لمسرح الجريمة الخارجي فأن أعادة بناء الأحداث لمسرح الجريمة الخارجي و تحديد العلاقة المكانية بين الأدلة المعثورعليها وتحديد مدلولاتها الزمنية مسألة غالبا ما تكون غير دقيقة اوغير مؤكدة و خصوصا اذا مضى وقت طويل على ارتكاب الجريمة .
• مسرح الجريمة الخارجي يفرض الاستعانة بتقنيات البحث المختلفة للبحث عن الأدلة والاثارالمادية الموجودة فيه سواء كانت ظاهرة ام مخفية، ومن هنا فمسرح الجريمة الخارجي يحتاج تارة الى استخدام وسائل و معدات بحث او وسائل الإظهار التقليدية المعمول بها في مسارح الجريمة التي تحدث في أماكن مغلقة او المحصورة كبناية مثلا و تارة أخرى يحتاج الى استخدام وسائل وتقنيات غير تقليدية مثل الاستعانة بأجهزة ذات إشعاع خاص مثل تقنيات الرؤيا والكشف بالأشعة فوق البنفسجية او تحت الحمراء والمسح الليزري ثلاثي الأبعاد اوالاستعانة بالانثروبولوجيا الجنائية و فروعها بعد اكتشاف الجريمة او إبلاغ السلطات المعنية عنها. و يمكن أيضا الاستعانة بكلاب تتبع الأثر فور وقوع الجريمة او بعد ذلك بوقت قصير(من ١ ساعة الى ٧٢ساعة) و في حالات أخرى (من ١ ساعة الى ستة أيام).
• مسرح الجريمة الخارجي قد يسهل تحديد خط سير العجلة او الدراجة المستخدمة في الجريمة عن طريق تتبع الاثار المتروكة في المكان او تحديد نوعها و ربما تحديد هوية المتورطين عن طريق إيجاد شهود عيان من المتواجدين او الذين كانوا متواجدين بحكم الصدفة في مكان الجريمة يريدون التحدث او يرغبون الإدلاء بشهاداتهم. و في حالة وجود كاميرات مراقبة التي قد يصادف وجودها في مكان الجريمة يمكن تتبع خط سير الجاني و تحديد هويته او يمكن فحص الصور و مقاطع الفيديو آلتي وثقتها الكاميرا للجاني او للمتواجدين (اشخاص، عجلات، دراجة، الخ) في المنطقة في أيام ارتكاب الجريمة و مقارنتها مع الصور و مقاطع الفيديو المثبتة في أيام قبل ارتكاب الجريمة.
• لا يوجد مسرح جريمة خارجي بدون تلف اوعبث من شيء ما جراء العوامل الخارجية (الطبيعية والبيىئية)، و قد لا يحتوي مسرح الجريمة الخارجي أحيانا او في الغالب على أي دليل او اثرمادي من شأنه ان يساعد في تحديد هوية المتورطين او المشتبه فيهم اواستبعاد الشخص او الأشخاص موضع الاتهام. وفي مثل هذه الأحوال يبقى لزاما تطبيق جميع إجراءات التحقيق الجنائي في مسرح الجريمة ذات الصلة كما في حال وقوع جريمة في أي مسرح جريمة اخر لضمان سلامة التحقيق الجنائي، ومن ثم يمتد التحقيق في جريمة مسرح الجريمة الخارجي الى خارج مسرح الجريمة الخارجي نفسه.
٣. توثيق مسرح الجريمة الخارجي:
لا تختلف الطرق المتعلقة بتوثيق مسرح الجريمة الخارجي كثيرا عن تلك الطرق المستخدمة في مسارح الجريمة الأخرى. وتوثيق مسرح الجريمة سواء كان مغلقا ام مفتوحا يعني الوصف الدقيق للحالة او الهيئة التي وجد عليها عند انتقال ضابط التحقيق اليه و معاينته عن كثب . و توثيق مسرح الجريمة يعتبر من الإجراءات المهمة في عملية التحقيق الجنائي والذي يمكن الاستعانة به طوال فترة التحقيق في القضية. كما انه يفيد الجهات القضائية عند عرض القضية عليها. و يتم توثيق مسرح الجريمة الخارجي من خلال الآتي:
• التوثيق بالكتابة: يعتبر التوثيق بالكتابة من اقدم وابسط الطرق المتبعة في الإثبات الجنائي و نقل صورة الوقائع الجنائية عبر مراحل الدعوى القضائية المختلفة. و من اجل توثيق مسرح الجريمة الخارجي بالكتابة يجب على ضابط التحقيق ان يصف بالكتابة مسرح الجريمة الخارجي وصفا دقيقا ومفصلا. وهذا الوصف يشمل ابعاد و حدود ومساحة مسرح الجريمة الخارجي و كذلك بيان طبيعة المنطقة الجغرافية مثل الحالة العامة للمكان من حيث الطقس والإضاءة وحالة الطريق. كما يجب ان يذكر ساعة وتأريخ وصوله الى مسرح الجريمة وكذلك ذكر أسماء المرافقين له وأسماء اول الواصلين اليه، ثم تجري كتابة وصف تفصيلي للأدلة والاثارالمادية الموجودة فيه كأن تكون اجسام (مثل. جزء من ملابس، مناديل ورقية، ظرف او مقذوف ناري، قاب سيجارة، آلة حادة، او غيرها من الأجسام) او ألوان (مثل أصباغ، دهن، بقع زيتية او بقع دموية) اوأشكال (مثل اثار عجلات، دراجة، اثار اقدام، بصمات، الخ) و بيان مواقعها و الحالة التي كانت عليها بعد وقوع الجريمة حيث يجب ذكر ابعاد وأحجام واتجاهات تلك الأدلة بصورة مفصلة ودقيقة و بلغة واضحة. و يجب على ضابط مسرح الجريمة ان يذكر ما اذا كان هناك قرائن او ادلة او أي معلومات و تفاصيل أخرى يجد ضرورة في تدوينها او توثيقها و التي قد تفيد في إثبات الجريمة.
• التوثيق بالرسم التخطيطي او السكيتش: وفي هذه الطريقة يقوم ضابط مسرح الجريمة بتحديد اتجاه الشمال ومن ثم يقوم بتقسيم مسرح الجريمة الخارجي الى نصفين، نصف شمالي واخر جنوبي او نصف شرقي و اخر غربي، او بتقسيمه الى ثمانية أنصاف تشمل شمال شرقي، شمال غربي، وهكذا عن طريق رسم خطوط فاصلة بين الاتجاهات و من ثم يقوم بتأشير مواقع الأدلة المادية المعثورعليها ووصف أنواعها و بيان أحجامها و تحديد اتجاهاتها و المسافات بين دليل واخر و تثبيتها على المخطط.
• التوثيق بأستخدام خريطة المنطقة: و تستخدم هذه الوسيلة بكثرة في مسارح الجريمة الخارجية الكبيرة جدا حيث يتم استخدام خريطة المنطقة التي يقع فيها مسرح الجريمة و من ثم يتم تأشير مسرح الجريمة من كل الاتجاهات مع الأدلة المعثورعليها و تحديد المواقع الرئيسة والمواقع المحيطة او المجاورة لمسرح الجريمة بكل دقة مع تأشير المواقع الطبيعية مثل الأشجار، الطرق، سكة حديد، حقول، مجرى نهر و المواقع الصناعية مثل معامل، مصانع كيمياوية، الخ .
• التصوير الفوتغرافي و التوثيق الفيديوي: و تستخدم هذه الطريقة لتوثيق الأدلة والاثار المادية المرئية وغير المرئية او الضئيلة الحجم وكذلك لابرازدقائق التفاصيل في مسرح الجريمة الخارجي (وثائق، عملات ورقية، مناديل ورقية، أعقاب سكائر، بقع دم، و ربما حتى المتواجدون قرب مسرح الجريمة من عامة الناس، عجلات الأشخاص ، الخ(. و هذه الطريقة تمر بعدة مراحل حيث يبدأ ضابط مسرح الجريمة بتوثيق جميع اركان مسرح الجريمة الخارجي من ٣٦٠ درجة ثم يقوم بتصوير جميع الأدلة والاثار المادية الموجودة فيه وهذا بدون تحريك اوتغييرأي دليل من مكانه و ذلك لبيان الحالة التي وجد عليها أي الحالة التي ترك فيها الجاني مسرح الجريمة و بعد ذلك يتم وضع العلامات اوأعمدة مرقمة امام كل دليل او اثر مع ضرورة استخدام شريط قياس او مسطرة ليتم إعادة تصوير مسرح الجريمة الخارجي بمعية هذه الأعمدة و المقاييس حتى تظهر بأن لكل دليل رقما معينا ولبيان الحجم الفعلي لكل دليل مع بيان اتجاهه والمسافة بيت دليل واخر. و عند قيام خبراء مسرح الجريمة بجمع الأدلة المادية التي تم توثيقها يقوم المصور الجنائي بتصوير هذه الإجراءات لبيان الدقة و الحذر في التعامل مع الأدلة و تحديد ان الأدلة قبل تلك اللحظة لم يتم تحريكها من أماكنها حتى لا تسقط قيمتها الجنائية لدى المحكمة. و في حالة العثور على جثة كاملة او مجتزئة اوجثة لحقها التعفن والتغيير يتم التقاط صور لها وتوثيقها فيديويا بصورة تفصيلية من كل الجوانب و من جميع الاتجاهات و الزوايا مع بيان الأشياء و الأماكن القريبة او المحيطة بها.
٤. البحث عن الأدلة المادية في مسرح الجريمة الخارجي:
و في هذه المرحلة يتم البحث عن أي ادلة اواوثارمادية ذات الصلة ،ظاهرة او مخفية، مهما كانت صغيرة و قليلة، والمحتمل العثورعليها في مسرح الجريمة او في الأماكن المحيطة او المجاورة او المتصلة به لكشف غموض الجريمة و لملاحقة مرتكبيها على السواء. وعند البحث عن ادلة مادية ينبغي الأخذ بنظرالاعتبار ان مسرح الجريمة الخارجي هو مسرح كبير وحدوده واسعة لذا يجب مراعاة خصائصه و ظروف الأدلة المادية فيه. وعلى سبيل المثال، في حال وجود دليل مادي لا يمكن حمايته من التلف او التلوث يجب رفعه بسرعة مع توخي قدرعالي من الحرص للحفاظ عليه . وهناك حالات تداخل بين مسرح الجريمة الخارجي و مسارح الجريمة الأخرى تلزم مراعاتها في البحث عن ادلة مادية وذلك في حال وجود جريمة في مسرح جريمة مختلط، مغلق ومفتوح، فعلى ضابط مسرح الجريمة الخارجي ان يبدأ بالتعامل مع مسرح الجريمة الخارجي أولا و من ثم الانتقال الى مسرح الجريمة المغلق. وفي موازاة ذلك، ينبغي أيضا ان يكون هناك مصادر انارة او اضاءة مختلفة ومناسبة من اجل رؤية الأدلة المادية بشكل واضح والمحافظة على سلامتها من التلف والتلوث خلال عملية البحث، ولأنه من الصعب من الناحية الواقعية، إن لم يكن من المستحيل، القيام بمعاينة شاملة لمسرح الجريمة الخارجي بحثاً عن أدلة في الظلام أو الإضاءة المعتمة. فكلما كانت ظروف الإضاءة أفضل، كلما كانت فرص العثور على الأدلة المادية والمهمة بالنسبة للتحقيق أفضل .لذا يجب على ضابط مسرح الجريمة الخارجي ان يكون ذو خبرة واسعة في البحث الجنائي الميداني وان يعرف كيف يتعامل في الحالات الاستثنائية. فمثلا، قد تكون هناك حاجة الى مستوى اعلى من الإضاءة بسبب صغر او اوضألة حجم الدليل او قد تكون هناك حاجة الى مستوى اقل من الإضاءة او من ضوء الشمس بسبب المخاطر الناجمة عن الإضاءة العالية وأشعة الشمس في تدمير بعض الأدلة المادية ذو الطبيعة الهشة او العابرة. لذا يجب النظر في مصدر الإنارة و الضوء الموجود مع مراعاة الاعتبارات الصحيحة والمناسبة التي تتطلب استخدام المتطلبات ذات الصلة بناء على التوزيع المكاني للأدلة المادية ونوعيتها واحجامها. او قد تكون هناك حاجة الى استخدام خيام او ستائر اواحجبة لتغطية الأدلة المادية في بعض الأماكن في حال وجود مسرح الجريمة الخارجي في منطقة فيها رياح اواتربة اوتساقط امطار، او قد تكون هناك حاجة الى تأجيل البحث الى النهار بسبب عدم وجود الإضاءة بالقدر الكافي والمناسب و المطلوب خلال فترة الليل. وعلاوة على ذلك، ينبغي ان يدار مسرح الجريمة الخارجي بطريقة لا تضع في الاعتبار احتمال عدم وجود ادلة في مسرح الجريمة الخارجي. وهنا بغض النظرعن الجرائم البسيطة التي لا تحتوي في الغالب على اثار او ادلة مادية، لا أوافق الذين يقولون او الذين يتشاطرون الراي القائل بأن ضابط التحقيق او ضابط مسرح الجريمة يقرر اجراء البحث عن ادلة مادية من عدمه بسبب الاعتقاد بأن بعض الجرائم (مثل الجرائم المنظمة اوالجرائم والحوادث الإرهابية المتكررة) التي ترتكب في مسارح الجريمة الخارجية لا يكون للبحث جدوى فيها لعدم احتوائها على اثار اوادلة مادية و لسهولة اوإمكانية إثباتها بوسائل أخرى. وهنا لابد من التأكيد على عدم تجاهل اوإهمال تطبيق إجراءات التحقيق الجنائي ذات الصلة بمسرح الجريمة الخارجي (مثل عدم بحث مسرح الجريمة الخارجي، اختياروقت الانتقال الى مسرح الجريمة الخارجي ربما في منتصف التحقيق او قبل انتهائه، عدم تطويق او تأمين مسرح الجريمة، الخ). وتأسيسًا على ما تقدم، يمكن القول إن بحث مسرح الجريمة الخارجي هو جزءا أساسياً و مهما جدا في التحقيق الجنائي من أجل ضمان سلامة التحقيق في اي جريمة ترتكب في مسرح جريمة خارجي. وعملية البحث عن ادلة مادية في مسرح الجريمة الخارجي عادة ما تندرج تحت ثلاث مستويات بحثية يشمل المستوى الأول البحث المباشر والذي يتطلب تخطيط وتنظيم وتنسيق العمل بما يتناسب مع الجريمة الجاري التحقيق فيها فضلا عن التصرف بعناية وبمهنية طوال عملية البحث عن ادلة في مسرح الجريمة الخارجي. اما المستوى الثاني فيشمل استجواب شهود العيان والأقارب و المصادر الأخرى والذي يتطلب قدرا عاليا من الخبرة في التحقيق الجنائي و قدرة على استخدام مهارات الاستجواب طبقا لطبيعة الأدلة وعلاقتها بالجريمة المعنية . يشمل المستوى الثالث إعادة زيارة و معاينة مسرح الجريمة الخارجي و استجواب بعض الأشخاص القريبين منه مرة أخرى ان أمكن ذلك. فبعد تحديد حدود او محيط مسرح الجريمة الخارجي و تطويقه بالكامل، و بعد قيام فريق مسرح الجريمة بتحديد طبيعة الجريمة ووضع تصور ابتدائي عما حدث، تبدأ عملية البحث المباشر والتي يجب ان تكون شاملة وواسعة ودقيقة حتى للأماكن المحيطة بمسرح الجريمة الخارجي وان تتطلب الاستعانة بعدد كبير من الفنيين والاخصائيين لإنجاز عملية البحث عن ادلة مادية بما يتناسب وظروف الجريمة الجاري التحقيق فيها. وحيث قد تقتضي عملية البحث الاستعانة بأجهزة الكشف والمسح الحراري وأجهزة الرؤية الليزرية للبحث عن اي ادلة مخفية او إظهار أي ادلة يصعب رؤيتها او تحديدها بالعين المجردة، وقد يقتضي البحث ايضا الاستعانة بكلاب الشم لتتبع اثرالأدلة او ربما حتى المرتكب الفعلي للجريمة. وفي حالات كثيرة يتم الاستعانة بما يصطلح عليه بعلم الأنثروبولوجيا الجنائية ومختلف حقولها الفرعية بما في ذلك علم الاثار الجنائية وعلم التاريخ الحفري الجنائي و ذلك بهدف التعرف على هوية المجنى عليهم عن طريق تحديد العمر التقريبي، الطول ، الجنس، الأصول الجغرافية، السلالة العرقية، وقت الموت التقريبي، واية علامات أخرى تشيرالى إصابات او أمراض قبل الموت او في ساعة الموت و ما الى ذلك من تفاصيل التي قد تفيد في تحديد هوية المجنى عليهم الذين صارت أجسادهم في مرحلة متقدمة من التعفن والتحلل او الذين احترق او تشوه رفاتهم وأصبح التعرف على الملامح العامة لصاحب الرفاة صعبا. و الاستعانة ايضا بالطب الشرعي الجنائي لتحديد حالات الوفاة و أسبابها و أنواع الإصابات و تحديد هوية الجثة سواء كانت كاملة او مجزئة و كذلك تحديد الوقت التقريبي للوفاة وكذلك الاستعانة بطب الأسنان الشرعي وذلك لتحديد هوية المجنى عليه التي تعود الأسنان له وذلك عن طريق سجلات علاج الأسنان، الصور الشعاعية، والحامض النووي. وخلال عملية البحث، يتوجب على ضابط مسرح الجريمة و فريق البحث ان يكونوا متفطنيين لعدم ترك أي جهة من مسرح الجريمة الخارجي دون بحث، او إغفالهم لأثر قد يرونه تافها الا انه قد يرقى الى مرتبة الدليل الذي قد يكشف عن هوية الجاني او الجناة فيما بعد. ولابد من التنبيه على توخي الحذر اثناء عملية البحث عن الأدلة و الاثار المادية حتى لا تتعرض للتلف او التلوث لغرض إرسالها الى المختبر الجنائي للوصول بها كدليل جنائي له مصداقية قضائيا تدين المتورطين او المشتبه فيهم و لتسهيل مهام التحري و التحقيق على المحققين. و تختلف طرق البحث المباشر بأختلاف نوع او طبيعة الجريمة الجاري التحقيق فيها، حجم مسرح الجريمة الخارجي، حجم الأدلة، وجود جثة المجنى عليه من عدمها، نوع تضاريس مسرح الجريمة الخارجي، موقع مسرح الجريمة و درجة صعوبته. فلكل منها خصائص معينة تجعلها تصلح للبحث عن ادلة في مسرح جريمة خارجي ما و لا تصلح للبحث عن ادلة في مسرح جريمة خارجي اخر. و يبين الآتي اهم طرق البحث المباشر عن ادلة مادية في مسرح الجريمة الخارجي:
• البحث الشبكي او الطريقة الطولية-العرضية:
و تستخدم هذه الطريقة لتغطية مسرح جريمة خارجي واسع و كبير، حيث يقسم فريق البحث الى نصفين، النصف الأول يقوم بالبحث طوليا و النصف الثاني يقوم بالبحث عرضيا و ذلك لتغطية نفس منطقة البحث مرتين، وكما موضح في الشكل (١) ادناه.
• البحث بالقطاعات او طريقة المربعات:
تستخدم هذه الطريقة بكثرة في مسارح الجريمة الخارجية الكبيرة جدا،وحيث يتم تقسيم مسرح الجريمة الى مربعات او قطاعات و كما موضح في الشكل (٢) ادناه و يتم بحث كل مربع او قطاع عن طريق فريق بحث واحد بصورة شاملة و كاملة ( يعامل كل قطاع على حدة أي ان في كل من هذه القطاعات فريق بحث مستقل) . و يعتمد عدد القطاعات وعدد أعضاء فريق البحث على حجم مسرح الجريمة الخارجي و درجة صعوبته. و بعد انتهاء كل فريق من عملية البحث فقد يلجأ ضابط مسرح الجريمة الخارجي الى تدوير فرق البحث على نفس القطاعات لإعادة بحثها كإجراء إضافي لضمان عدم ترك أي جهه منها دون بحث.
• البحث الحلزوني:
و في هذه الطريقة يبدا البحث اما من المحيط الخارجي لمسرح الجريمة الخارجي حيث يتحرك فريق البحث بشكل دائري الى حين نهاية مسرح الجريمة، ثم يتخذ خطوة جانبية و يستمر في الدوران حتى يصل في الأخير الى مركز مسرح الجريمة الخارجي او يبدأ البحث من مركز مسرح الجريمة الخارجي و بنفس الحركة الى المحيط الخارجي له . وهذا البحث يمكن ان يقوم به فريقان بحث في وقت واحد حيث يبدأ الفريق الأول بالتحرك من المركز بأتجاه المحيط خارجا و يتحرك الاخر بالاتجاه المعاكس أي من المحيط الى المركز داخلا، و كما موضح في الشكل (٣) ادناه.
• البحث الدائري او طريقة العجلة:
و تستخدم هذه الطريقة في مسارح الجريمة الكبيرة او الواسعة جدا في المناطق الزراعية او الصحراوية او ما شابه. وهذه الطريقة تشبه طريقة البحث بالمربعات او القطاعات الى حد كبير. فقد يقوم ضابط مسرح الجريمة الخارجي بتقسيم مسرح الجريمة و حسب حجمه الى عدة قطاعات و كما موضح في الشكل (٤) ادناه، حيث تتجمع جميع فرق البحث في مركز مسرح الجريمة ثم تتحرك كل مجموعة قطريا للخارج و من ثم العودة الى المركز. و بعد انتهاء كل فريق من عملية البحث في قطاعه، يمكن ان يقوم ضابط مسرح الجريمة بتدوير فرق البحث على نفس القطاعات لأعادة فحصها كأجراء لضمان عدم ترك أي جهة منها دون بحث.
• البحث العشوائي:
و تعتبر طريقة البحث العشوائي الأكثر شيوعا في البحث عن ادلة مادية بسبب سهولة و إمكانية تطبيقها في أي مسرح جريمة خارجي و خصوصا مسارح الجريمة المعقدة و التي لا تتطلب التقييد بأي من قواعد البحث التي تم ذكرها في أعلاه و بالتأكيد هذا لا يشمل القواعد و الإجراءات التي تنص على مراعاة الحيطة والحذر و الدقة في عملية البحث بغية عدم تدمير او تلويث الأدلة من قبل فرق البحث.
٥. إعادة تكوين او بناء مسرح الجريمة الخارجي:
تأتي مرحلة إعادة بناء مسرح الجريمة الخارجي بعد ان ينتهي فريق مسرح الجريمة من تحديد وتوثيق وجمع الأدلة الجنائية المعثورعليها في مسرح الجريمة و ربطها مع نتائج الفحوص المختبرية. الغاية من أعادة بناء مسرح الجريمة الخارجي هو لمعرفة ماذا حدث في مسرح الجريمة والأهم من ذلك هو معرفة كيف حدث ذلك. وفي اغلب الأحيان هذه المرحلة تعطي الإجابة عن احد هذين السؤالين بل و في بعض الأحيان تعطي الإجابة عن كلا السؤالين معا. فأعادة بناء مسرح الجريمة الخارجي بهذا المعنى يتناول ظروف ارتكاب الجريمة و كيفية حدوثها على حد سواء. و يمكن من نتائج إعادة بناء مسرح الجريمة الخارجي وضع تصور تقريبي حول الأسلوب الإجرامي المتبع للمساعدة في الاسترشاد على هوية المتورطين او المشتبه فيهم و تحليل لماذا حدث ذلك و من يمكن ان يكون قد ارتكب هذه الجريمة. وعملية إعادة بناء مسرح الجريمة الخارجي تختلف في طبيعتها عن مسارح الجريمة الأخرى بما يستوجب استخدام أجهزة و معدات فنية و تطبيقات علوم جنائية خاصة .و هنا تأتي أهمية اتباع أساليب علمية وتبني تفكيرعقلي وموضوعي بغية معرفة او استنباط تسلسل الوقائع والأحداث الجنائية و تحديد المتورطين بارتكاب الجريمة بوجه لا يقبل الشك. وهناك العديد من الوسائل العلمية المتخصصة و المتداخلة مع بعضها التي يمكن اتباعها للمساعدة في إعادة بناء مسرح الجريمة الخارجي وفقا لنوع وحالة وحجم الأدلة المادية المعثورعليها، التوزيع المكاني للادلة، نوع الجريمة، ووقت حدوثها ومنها على سبيل المثال:
• استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي: تطبيقات الذكاء الاصطناعي هي من احدث الطرق التي تستخدم في التحقيق الجنائي و التي تعتبر ذات تأثير بارز في إعادة و بناء مسرح الجريمة الخارجي. وهنا يقوم ضابط التحقيق بالاعتماد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي كأحد أساليب إعادة بناء مسرح الجريمة الخارجي حيث يقوم بأستخدام المعلومات الجنائية التي تم الحصول عليها من مسرح الجريمة خلال مرحلة المعاينة والبحث والتوثيق ونتائج الفحوص المختبرية وادخالها الى برنامج خاص في الحاسبة للحصول على تصوير فيديوي ثلاثي الأبعاد الذي قد يساعد على فهم ما جرى في مسرح الجريمة الخارجي.
• صياغة الفرضيات:
صياغة الفرضيات تعتبر من الأساليب المميزة و الشائعة التي تستخدم في توجيه ضابط التحقيق في تحليل النتائج وتفسيرالأدلة واتصالها بالجريمة المعنية بشكل موضوعي و منطقي. و تعتبر الفرضية الجنائية بمثابة تخمين او تنبؤ يصف تسلسل الوقائع و الأحداث الجنائية التي وقعت قبل اكتشاف الجريمة وابلاغها الى السلطات المعنية. و لتمكين ضابط التحقيق من صياغة فرضية صحيحة، يقوم بتحليل منطقي وموضوعي للأدلة والاثار المادية والمعلومات والحقائق آلتي تم الحصول عليها طوال فترة التحري والتحقيق في مسرح الجريمة الخارجي. لذا يمكن القول ان الفرضية الجنائية هي تفسيرمحتمل للجريمة المرتكبة و غيرها من الأمورالمتعلقة بكيفية حدوثها. وعادة ما يكون هناك اكثر من فرضية واحدة في الجرائم المعقدة او الغامضة. و يقوم ضابط التحقيق بأختيار الفرضيات استنادا للمعلومات الجنائية المجموعة من اجل الربط بين الجريمة والمتورطين او المشتبه فيهم و مسرح الجريمة الخارجي.
• دراسة خصائص وتحليل أنماط الأدلة المادية المعثورعليها : وَيَتم ذلك بالاعتماد على تقارير خبراء الأنثروبولوجيا الجنائية، خبراء الحفر الجنائي، تقارير خبراء الاثار البدنية الجنائية، تقارير الطب الشرعي، وتقارير طب الأسنان الشرعي.
و في ختام هذا المقال، أمل ان أكون قد قدمت معلومات مفيدة للقاريء الكريم حول مسرح الجريمة الخارجي من حيث مفهومه، وخصائصه و بحثه و تفاصيل أخرى كمساهمة متواضعة في توضيح بعض الأمور بشكل موجز التي قد تدور في اذهان البعض فيما يتعلق بمسرح الجريمة الخارجي في القضايا التحقيقية الغامضة او المعقدة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat