صفحة الكاتب : السيد وليد البعاج

السيستاني في منظور علماء الكنيسة محطات ما قبل اللقاء وبعده
السيد وليد البعاج


 لم يحظ لقاء في العصر الحديث بتغطية اعلامية واهمية دينية كما حظى لقاء بابا الفاتيكان الكاثوليكي ومرجع المسلمين الشيعة.
فتكاد تتفق الاراء على انهما شخصيتان نبويتان في هذا الزمن الرديء، والبشرية بأمس الحاجة لأمثالهما.
 رجلا السلام رفعا شعار العفو والمغفرة والتسامح مع كل احد، لان الله لا يغفر لمن لا يغفر اساءة اخيه.
 كشف لنا سلوكهما الرباني مع اختلاف ديانتيهما ان البشرية من حيث الفكر الايماني بالله والمبدأ الاخلاقي هو واحد، 
لقاء أقل ما يوصف به انه رائع ومفيد وعظيم كسر كل الحواجز التي سعت قوى الظلام لوضعها بين الاخوة، فبرهن رجلا الله ورجلا الايمان انهما قادران على تحقيق الخير رغم كل الصعاب، فنقولها بحق ان فرنسيس والسيستاني هزما الشيطان بايمانهما ورفعا للجميع راية انتصار المحبة والاخوة الانسانية، واسسا لفصل جديد من العلاقات الاسلامية المسيحية ومع بقية الديانات، وانطلق عصر جديد يتجاوز الدين في العلاقة.
هذا الحدث المهم يستوقفنا بشدة من اجل تسليط الضوء على ابرز ما صدر من انطباعات بتصريحات علماء الكنيسة والفاتيكان لما قبل اللقاء وما بعده.
اولا: تصريحات ما قبل اللقاء.
نستهل مقالنا بتصريح مهم لبطريرك بابل للكلدان الكاردينال لويس روفائيل ساكو، في سياق حديثه عن اللقاء المرتقب قال: ان السيستاني رجل حكيم وسيتفاهم مع فرنسيس. واوضح ساكو: ان البابا سبق وان تحاور مع العالم السني خلال الزيارة التي قام بها الى جامعة الازهر في القاهرة ، وقد آن الاوان ليفعل الشيء نفسه مع أحد أكبر القادة الشيعة. أضافة الى أن القسم الاكبر من العراقيين ينتمي الى الطائفة الشيعية.
وفي تصريح اخر للكاردينال ساكو أشار لجملة قالها السيد السيستاني علقت بلافتة بمناسبة زيارة البابا وهي: "أنتم جزء منا ونحن جزء منكم". ليعلق قائلا: أن هذا أسلوب لقول إننا أخوة.
أما أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين، فقد قال عن معنى لقاء البابا بالسيستاني: بأنه كعمود آخر لجسر الأخوة، مع الاخذ بعين الاعتبار ان السيستاني هو احد أهم الشخصيات في العالم الشيعي، مع الاخذ في الاعتبار ايضا: ان السيستاني قد تحدث دائما لصالح التعايش السلمي داخل العراق، قائلا اي السيستاني: "ان جميع المجموعات العرقية والدينية هي جزء من البلاد".
وهذا أمر مهم جدا لأنه يسير في نفس الاتجاه والمعنى لبناء هذه الأخوة بين المسيحيين والمسلمين، والتي ينبغي ان تميز البلاد، لذا فهي حقا لحظة مهمة واعتقد انها ستكون بالتأكيد احدى اهم اللحظات في زيارة البابا للعراق.
وحول اهمية هذه الزيارة افاد عميد مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال ليوناردو ساندري: ان البابا ذهب ليحمل الفرح والتعزية الى العراق وهي علامة رجاء. وقال: انه يعتقد ان البابا يقدم الان للعالم "دستورا عالميا" جديدا في احترام هوية كل ديانة، والذي يمثل النية لبناء عالم جديد في السلام والعدالة والحرية. واضاف: وأشير في هذا السياق بشكل خاص الى لقاء الاب الأقدس بسماحة اية الله العظمى السيد علي السيستاني.
ومن مطارنة العراق الساعد الايمن لبطريرك بابل للكلدان الأسقف المعاون على أبرشية بغداد المطران شلمون وردوني، فقد اعتبر زيارة البابا الى النجف ستشكل أهم محطة من الزيارة الرسولية للعراق، لافتا الى ان اية الله علي السيستاني ليس زعيما سياسيا بل هو "رجل إيمان" يعمل في سبيل الأخوة، وفرنسيس والسيستاني كلاهما رجلا سلام.
واضاف المطران شلمون:  انه التقى شخصيا بالسيد السيستاني وقد حدثه انه لا يذهب الى لقاء السياسيين بل هم يأتون إليه وهو يقدم لهم النصائح التي ترمي الى بناء السلام والأخوة في المجتمع. وقد أكد في أكثر من مناسبة أنه ليس زعيما سياسيا، بل يعتبر نفسه رجل إيمان يريد السلام والأخوة لبلاده.
أما رئيس أساقفة أربيل للكلدان المطران بشار وردة ففي معرض كلامه قال: ان غالبية سكان العراق هم من الطائفة الشيعية ، مشيرا الى ان الجميع ينظرون الى السيستاني كرجل سلام، ما فتئ يندد بالفساد المستشري في البلاد، وعبر عن ثقته بأن لقاء البابا مع السيستاني سيترك أثره الايجابي على نظرة الشيعة في العراق الى المكون المسيحي.
وفي حديث للسفير البابوي في كرواتيا المطران جورجيو لينغوا والذي كان سابقا سفيرا بابويا في العراق: ان المحط الأبرز للزيارة سيكون بلا شك لقاء البابا مع اية الله علي السيستاني الذي اجتمعت به مرتين كسفير بابوي. وأنه تأثر  ببساطته وبكونه رجل سلام يبحث عن خير الجميع ولديه حس الأخوة، وهو أمر ليس بالقليل.
وعبر المطران عن ثقته بأن اللقاء سيقدم رسالة جميلة وقوية، وسيعطي دفعا قويا للحوار لأنه لا يوجد سبيل للحل سوى الحوار، كما سيكون اللقاء مصدر تشجيع للمسيحيين بعد السنوات الصعبة، وهو واثق ان الرب سيبارك هذه الزيارة.
وفي لقاء مع الاب كريستوفر كلوهيسي من المعهد البابوي للدراسات العربية والاسلامية في روما، حول زيارة البابا للسيد السيستاني، اجاب: السيستاني إنسان غير عادي، وعليك فقط ان تنظر له لتفهم ذلك، ولو طالعت سيرته الذاتية وترى الشهادات والجوائز التي حصل عليها، ومنها ترشيحه لنيل جائزة نوبل. وسترى ان اسمه يظهر مرارا وتكرارا في قائمة المسلمين الاكثر بروزا.
فالسيستاني ولد في ايران ودرس في قم، ولكنه اكمل دراسته في النجف فهو يتمتع بفكر هاتين المدرستين النجف وقم، وعليك ان تفكر بالمقارنة مع شخص درس في جامعتي اكسفورد وكامبريدج، فالنجف وقم وان كانا واحد من حيث كونهما مركزا للتعليم الديني ولكنهما مؤسستين متفردتين لكل منهما اتجاهه الخاص، والسيستاني الذي درس فيهما هو اليوم زعيما لحوزة النجف وتحت مرجعيته اعداد ضخمة حتى من علماء الشيعة المهمين. ومرجعيته تنتشر في جميع انحاء العالم الاسلامي وبالتالي له تاثير غير اعتيادي على العالم الاسلامي الشيعي، حتى وان لم يطبق عليه كل العالم الشيعي والسني كصانع سلام.
ولكن الكل يشهد له بأنه كرجل أدرك الحاجة الى وضع حد للراديكالية والعنف، ولذلك أقول دون خوف من التناقض، وقد قلتها كثيرا: فرنسيس والسيستاني رجلين لهما نفس العقلية، ونحن أمام رجلين توصل كلاهما الى فهم الاخر.
واضاف: أدركنا انه من المهم للغاية ان نجد السلام الذي يأتي من خلال العدالة، كلاهما يعرف ذلك جيدا، انهما رجلين في نفس المستوى تماما، لقد اختار البابا فرنسيس المماثل المناسب لمقابلته، انها خطوة جيدة من جانب البابا.
ما بعد اللقاء:
وبعد ان اجتمع البابا فرنسيس بالمرجع الاعلى السيد السيستاني ضجت وسائل الاعلام بتسليط الضوء على هذا الاجتماع التاريخي، ولعل خير من نستشهد به في وصف اللقاء هو قداسة الحبر الاعظم والاب الاقدس فرنسيس بابا الفاتيكان إذ قال: وجدت رجلا عظيما وحكيما، "رجل الله" من خلال الاستماع اليه فقط يمكن ادراك ذلك، هو شخص يتمتع بتلك الحكمة والحلم ايضا. كان السيستاني محترما جدا... محترما جدا في اجتماعي معه، شعرت بالفخر، حتى في لحظة التحية لم يتعال أبدا، بل نهض ليحييني مرتين، انه رجل متواضع وحكيم، والاجتماع به أفادني روحيا، فهؤلاء الحكماء (امثال السيستاني) موجودين في كل مكان لان حكمة الله قد انتشرت في جميع انحاء العالم.
واضاف البابا: اية الله السيستاني لديه عبارة احاول ان اتذكرها جيدا: الناس اخوة في الدين او متساوون في الخلق، (يقصد الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق)، فيقصد السيستاني: أن في الأخوة هناك مساواة (اي الانسان مساو ومكافئ لاخيه الانسان بغض النظر عن ديانته ومعتقده) ولا يمكننا ان ننزل الى ما دون المساواة، أعتقد انه ايضا مسار ثقافي (يقصد هذه الرؤية). انتهى كلام البابا
ولعلي اريد ان اتوقف عند عبارة "رجل الله" التي قالها البابا في حق السيستاني ولعلها اهم عبارة في الموضوع اذ انها تعني في المفهوم المسيحي "قديس" وهي بادرة او حادثة لاول مرة تحصل في التاريخ المسيحي ان بابا المسيح يعلن عن رجل غير مسيحي انه قديس، في حين نعلم صعوبة اطلاقها على الاشخاص الروحانيين داخل البيت  المسيحي واطلاق صفة قديس يستلزم  ان تبدر من الشخص الرباني (بعد وفاته) معجزات ظاهرة وكرامات بارزة حتى يتم تطويبه لينال القداسة، فكيف أضفاها البابا على المرجع المسلم.اعتقد ان رسالة السلام التي يحملها السيد السيستاني في هذا الظلام الحالك اعتبرها بابا الفاتيكان معجزة، وهذه الحكمة والتواضع والايمان الواضح في سلوك السيستاني هي بلا شك سيماء القديسين فهو قديس مستحق للقداسة. ولعل الكلمة ستأخذ بعدا في النقاشات اللاهوتية مستقبلا باطلاق قديس على رجل صالح غير مسيحي.
أما التصريح المهم الاخر بعد اللقاء فقد كان للكاردينال فرناند فيلوني الحاكم الاعلى لجمعية فرسان القبر المقدس، والذي كان سابقا سفيرا بابويا في العراق، إذ وصف الزيارة بالتاريخية وقال عن السيد السيستاني والبابا فرنسيس: هاتان الشخصيتان عمودان جاهزان لتشكيل قوس... وهما شخصيتان مثيرتان للاهتمام... إن البابا يطور الحوار بين الاديان، ولم يبدأ بهذا العمل اليوم.
أما السيستاني فهو رجل روحي بلغ سنا بطريركية، وقد عمل في حياته كثيرا لأجل السلام، بهدف تسوية مسالمة لأمور كثيرة في العراق وبين الشيعة.
ولعل اخطر واقوى عبارة بعد كلمة بابا الفاتيكان بحق السيد السيستاني انه "رجل الله" التي تعني بالمفهوم المسيحي قديس، هي عبارة هذا الكاردينال فيلوني التي يقول فيها "ان السيستاني رجل روحي بلغ سنا بطريركية"،  فهو يرى السيد السيستاني بمنزلة الاباء الكبار المتميز عن غيره بالامور الروحية التي عنده، وتطلق الكلمة في الانجيل على ابراهيم واسحاق ويعقوب ويوسف، فهم بطاركة العهد القديم، ومن وجهة التقليد الكنسي العام فهي تطلق كذلك على الحواريين الاثني عشر تلاميذ المسيح. ولعل هذا المعنى الذي تبادر الى ذهن الكاردينال ان السيستاني بلغ سنا بطريركية بحكمته وحلمه وتواضعه وزهده وانسانيته، فهو بمنزلة اب الاباء او رئيس الاباء او اب الشعب، وهذه المرتبة لا ينالها الا من يتمتع بمزايا روحية عالية، ولدية مرتبة ايمانية كبيرة.
هذه المعاني والتصريحات تكشف لنا ان الايمان والاخلاق لا تنحصر بدين معين او بعقيدة محددة، فهذه اعلام الكنيسة المسيحية تشيد بايمان عالم مسلم، ضرب اروع الامثلة بالزهد والتقوى والورع، وحقا قال رب العباد في القران: ان اكرمكم عند الله اتقاكم.  


ماجستير في حوار الاديان من جامعة القديس يوسف اليسوعية.
واستاذ في الحوزة العلمية في النجف الاشرف.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد وليد البعاج
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/03/10



كتابة تعليق لموضوع : السيستاني في منظور علماء الكنيسة محطات ما قبل اللقاء وبعده
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net