ما ثبت بالبرهان لا يُنقَض بالجدل
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يحيى غالي ياسين

لو راجعنا القواعد العلمية المنطقية التي إكتشفها وصاغها وإستعملها فلاسفة البشر ومفكروه في إثبات الحقائق ونفي الأوهام والتوصّل إلى النتائج المهمّة والنافعة .. لوجدناها تتوزع على أكثر من مستوى وتسلك أكثر من طريق ، ولمن يريد أن يراجعها على نحو الدقّة والتفصيل يجدها في الكتب الفلسفية والعقلية والرياضية ، وعلى نحو التحديد يجدها في جزء الصناعات الخمس من منطق المظفر مثلاً ..
وهنا أريد الإشارة السريعة إلى صناعتين مهمّتين في إثبات الأشياء ونقضها وعليهما المعوّل في كثير من العلوم والمعارف وهما ، صناعة البرهان وصناعة الجدال .
أمّا صناعة البرهان : فهي أعلى وأدّق الصناعات العلمية في إثبات ونفي الحقائق ، كونها تعتمد في مقدّماتها على اليقينيات بصورة رئيسة وتستعمل تلك اليقينيات في القياس المنطقي العلمي وبالتالي ستكون النتيجة يقينية ومحكَمة ولا تقبل التخلّف ولا الإختلاف ..
بينما صناعة الجدال : فهي وإن كانت طريقاً ثانياً لإثبات ونفي الأشياء والأفكار والمعتقدات ولكنها تعتبر أقل مستوى من البرهان كونها لا تعتمد على اليقينيات في مقدّماتها وإنما تسخّر المشهورات والمسلّمات بما هي مشهورات ومسلّمات وبغض النظر عن صدقها وواقعيتها ، وبالتالي تصل إلى النتائج بهكذا مستوى من المقدمات ..
المُبرهِن - إسم فاعل - غايتهُ الوصول إلى الحقيقة بينه وبين نفسه بينما المُجادِل همّهُ ومقصده هو إفحام الخصم أمام الجمهور أو إقناع الغير أو جعله يتنازل لصالحه عن التزام معين قد إلتزم به .. في حين ترى الخصم يتلعثم أمام من يجادله لأنه لا يستطيع إستعمال يقينيات برهانية يمتلكها لأنّ الجمهور لا يعقلها ولا يعرفها ..!
وأقلّ منهما - من البرهان والجدل - الخطابة التي تعتمد على إثارة عواطف الآخرين أو كسب إعجابهم من خلال الكلام المعسول والمَلْبس المغسول .. الخ وبالتالي يكسب عقولَهم المتأثّرة ولو لبعض الوقت ..
ولهذا لو تتبعنا أغلب المنشورات والبحوث في مواقع وحسابات التواصل الإجتماعي فإنها لا تتعدى الجدل أو الخطابة في المستوى العلمي لإثبات الأشياء ونفيها وبالتالي هذا المستوى يعتبر نافعاً لعوام الناس وهدفه كسب رضاهم ومعيّتهم أمّا من الناحية العلمية فإنه غير مهم إذا كان متوجّها نحو إثبات أو نفي حقائق قام عليها البرهان واستوى ..
ومن هذا صحّ أن نقول أن ما أثبتناه في البرهان لا يمكن نقضه فيما بعد بجدال أو مراء أو خطاب في هذه النافذه الإعلامية أو ذلك المجلس المعقود لأغراض تتنوع بتنوع صدق ونوايا أصحابها ..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat