صفحة الكاتب : كفاح محمود كريم

الربيع العربي والصقيع القادم!
كفاح محمود كريم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ما يتعرض له الفنان الكوميدي عادل امام منذ فترة على خلفية انتقاداته اللاذعة لسلوكيات متطرفة أو منافقة لا تمت للأديان وجوهرها بأية صلة، من خلال مسرحياته وأفلامه الهادفة يمثل ظاهرة طارئة لا علاقة لها بالثورة أو الحضارة أو المدنية، بل بالعكس تمثل تقهقرا لقيم الجمال والتطور والإبداع، في بلد لا يمتلك من الثروات العظمى الا الشعب والحضارة والمدنية منذ شواخصها الأولى في الأهرامات وحتى ثورة الشباب التي أطاحت بنظام مبارك المزمن، فما نشاهده ونسمعه عن تطورات الأحداث في مصر وتونس وما يجري للفنان عادل إمام وربما لكثير من المثقفين والاعلاميين والفنانين والمفكرين، في مصر وغيرها من البلدان التي اشتعلت فيها نيران الثورة والتغيير وتتعرض لمحاولات سرقة تلك الانجازات تحت مظلة الشرعية الديمقراطية، تؤشر لحالة أو انعطاف خطير لمجرى الثورة والتغيير وربما لمحاولة تحويل الاتجاهات إلى منحى آخر غير الذي اندلعت من اجله تلك الانتفاضات.
 
 وهنا أستذكر  حوارا مطولا دار بيني وبين المفكر المصري  الدكتور سعدا لدين إبراهيم*، الذي التقيته في ربيع 2007م بالعاصمة اربيل وحاورته على الهواء مباشرة في برنامج تلفزيوني حواري سياسي ( لنتحاور )*، وكان محور حوارنا حول أزمة النظم السياسية والاجتماعية والخوف من الانهيار باتجاه تسلط قوى متطرفة وفاشية صنعتها أو هيأت فرص نموها تلك الأنظمة الدكتاتورية لتستقل قطار الثورة وصناديق الاقتراع وتنفذ إلى هيكل الحكم ومؤسساته الجديدة، إضافة الى أزمة المثقف العربي وعلاقته بالانظمة السياسية عموما وموقفه من قضايا المكونات غير العربية وغير الاسلامية في منطقة الشرق الاوسط، ولعل اهم لقاء واقصره واكثره اثارة فيما بعد، كان بيني وبينه في احد فنادق بيروت في تموز 2008م، حينما دخل وهو يتأبط ذراع زوجته على عكس المتعارف عليه، وكان يشكو من نتائج جلطة فعلت فعلها في جزئه الأيمن دون أن تنال من عقله وفكره المتقد والثاقب دوما، وقد حصل اللقاء صدفة ودون سابق موعد، حيث كان يجول هناك بحثا عن وطن يأويه ويحميه من ملاحقة المخابرات المصرية، خصوصا وقد حكم بكثير من الاحكام الثقيلة واسقطت جنسيته المصرية ايضا!؟
 
 سألني في البدء عن أخبار وطن النرجس ويقصد كوردستان، وحينما طمأنته بدأ الحديث متنبأ بمجريات ما حدث ويحدث منذ أكثر من سنة، لكنني قاطعته وهو يرسم مشهدا سياسيا عن التخوف من نتائج ما يحدث الآن، وخاصة فيما يتعلق بالمفكرين والعلماء والأدباء والفنانين والصحفيين، وبداية مرحلة الانقلاب والتفرد في السلطة وإعادة صناعة دكتاتوريات جديدة بإكسسوارات ديمقراطية تدعمها ماكياجات صناديق الاقتراع في بلاد تفتقد أساسا لفكرة المواطنة الحقة، ويعاني معظم سكانها من برودة الأمية بشقيها الأبجدي والحضاري، ملتحفين العشيرة والقرية رداءً ذاب في جلودهم وتكلس في مفاصل حياتهم، حتى غدت العشيرة أهم من الشعب والقرية أهم من الوطن!؟ 
 
    أردت أن اجري مقارنة بين ما تعرض له سعد الدين إبراهيم الذي حكمه نظام مبارك بالإعدام بعد أن اسقط جنسيته، وبين عادل إمام الذي صنفه البعض بالموالاة لنظام مبارك، لكنه كان من اشد المعارضين للتطرف والاستبداد والدكتاتورية، وسخر كما فعل سعد الدين إمكانياته طيلة ما يقرب من نصف قرن من اجل غد جديد أكثر مدنية وحضارة، لكن يبدو إن تلك الأنظمة التي قارعها الاثنان وأمثالهما في مصر وغيرها من البلدان، نجحت في صناعة بدائل لها تديم حكم نظامها بأشكال أخرى لكنها تحمل ذات الجوهر في التفرد وإلغاء الآخر والابتعاد عن المدنية والتقوقع في إيديولوجيات شمولية لا تقبل الآخر الا تابعا وملحقا، وهذا اخطر ما يواجه عمليات التغيير التي تجري الآن، حيث يتم صناعة دكتاتوريات جديدة بلبوس ديمقراطي واكسسوارات شعبوية كما يطلق عليها الدكتور سعد الدين إبراهيم، مما سينذر بصقيع قادم يكتسح جنائن الربيع ووروده؟
 
     لقد اكتسح الربيع في طريقه أنظمة متعفنة مزمنة في أمراضها وسلوكياتها، وبدأت أزهاره تتفتح في عواصم كادت تلك الأنظمة ان تمسخها وتحيلها الى دهاليز قرون مضت، ولكن ما يخشى منه ان فايروسات تلك الأنظمة وثقافاتها السوداء ما زالت متكلسة في شرائح وحركات راديكالية فاشية تستخدم كل الوسائل من اجل ولوج السلطة والتربع على كرسي الحكم لتنفرد تدريجيا في فرض أجندتها من خلال استخدامها وتوظيفها لمفاتيح اجتماعية وقبلية متخلفة، وتداعيات ناتجة من إحباط ويأس استمر لعقود سوداء من الحكم الدكتاتوري المستبد.
    
     صحيح إن كثير من النخب الفنية والأدبية والعلمية والرياضية لم تدخل عالم السياسة أو المعارضة المباشرة للأنظمة، الا ان الكثير منها ايضا كالفنان المصري عادل إمام الذي لم يكن سياسيا أو معارضا معروفا ولم يحكم عليه بالإعدام أو تسقط جنسيته، لكنه  لم يتوان ايضا عن مقارعة النظام بأسلوبه وطريقته، بل فعل الكثير لكي يمهد لاندلاع تلك الثورة ورفض سلوك الفوضى والعنف والبلطجة، وربما هو الفنان الأكثر إثارة في فضح ونقد الدكتاتوريات وثقافاتها في العالم العربي عموما، وها هو اليوم وغيره من تلك النخب، قاب قوسين أو أدنى من التعرض ربما لما تعرض له سعد الدين إبراهيم من النظام الآخر!؟
 
     حقيقة هناك خشية كبيرة من صقيع قادم يعقب تلك الانتفاضات التاريخية لشعوب المنطقة يهدد كل تلك النضالات والتضحيات من اجل مجتمع مدني متحضر تسوده العدالة والمواطنة الصالحة والنهج الديمقراطي الخلاق.
 
 kmkinfo@gmail.com
 
 * سعد الدين ابراهيم ( 1938 ): أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة ومدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، يعتبر من أقوى الدعاة إلى الديمقراطية في العالم العربي.  
 
  * لنتحاور ( 2004-2009 ): برنامج مباشر حواري أسبوعي باللغة العربية من إعداد وتقديم الكاتب ذاته من شاشة فضائية كوردستان.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كفاح محمود كريم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/03/10



كتابة تعليق لموضوع : الربيع العربي والصقيع القادم!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net