صفحة الكاتب : شاكر فريد حسن

حسن البحيري بلبل حيفا
شاكر فريد حسن

الراحل حسن البحيري شاعر ومثقف فلسطيني تجرع طعم التشرد والغربة المر. وهو من مواليد العام 1919 في وادي النسناس في عروس الكرمل حيفا.

تعلم في مدارسها الابتدائية حتى الصف الرابع، ولم يكن بوسعه مواصلة دراسته نتيجة الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة في تلك الحقبة، فعمل في سكة الحديد، ولكن ذلك لم يؤثر ولم يقف عائقًا أمام بزوغ موهبته الشعرية وثقافته، فقد أقبل على القراءة والمطالعة وتثقيف نفسه، وعزز قدراته اللغوية والثقافية والمعرفية، وشق دربه في ميدان الشعر ودراسة التراث.

وعلى أثر النكبة العام 1948 هاجر حسن البحيري من حيفا  إلى سوريا، وهناك أشغل مراقبًا للقسم الأدبي في الإذاعة السورية بدمشق، ورئيسًا لدائرة البرامج الثقافية في المديرية العامة للإذاعة والتلفزيون السوري حتى تقاعده.

وفي العام 1990 فاز حسن البحيري بوسام القدس تقديرًا لمنجزاته ومساهماته الأدبية والثقافية المكرسة بمجملها لخدمة قضايا الوطن الفلسطيني.

وفي تشرين الأول العام 1998 وافته المنية بمستشفى الشامي بدمشق ودفن في مقبرة الشهداء بمخيم اليرموك.

نشر البحيري مجموعة من المجاميع الشعرية، وهي : " الأصالة والاسحار، أفراح الربيع، ابتسام الضحى، حيفا في سواد العيون، لفلسطين أغني، ظلال الجمال، الانهار الظمأى، تبارك الرحمن، جنة الورد، رسالة في عيد، لعيني بلادي، سأرجع، ألوان، دعابة من الجد والهزل، وخمرة الشعر".

وكان الشاعر الفلسطيني ابن غزة الراحل هارون هاشم رشيد أنجز عنه دراسة هامة وقيمة بعنوان "حيفا والبحيري"، صدرت طبعة منها سنة 1986 عن دار الشفق في كفر قرع.

كان البحيري مشدوهًا بجمال الطبيعة، وقد أخذته حيفا وكرملها، بجمالها الخلاب الفتان، وغمرت وجدانه وخياله أشعارًا وجدانية ورومانسية، تغنى فيها بالوطن وترابه، بأسلوب شعري رقيق وجميل وعذب. فشعره كالحجارة يُقاوِم، وكالورد يُفْرِح الروح ويثير الشجن.

لنسمعه يقول:

من "كرملِ" الأحلام غّنّى للصّبَا

لحن المنى فَصَغى الهوى يتسمَّعُ

ثُمَّ استحال غناؤُه ونشيدهُ

دَمْعًا مسسابِلُهُ ضنىً .. وتوجُّعُ

 

 

يقول هارون هاشم رشيد : " وهو في غنائياته عن وطنه حتى في أصغر رملة أو قشة أو قرنفلة أو زنبقة أو نرجسة، وفي شدوه للكمان والعود إنما يرد بذلك على اولئك الذين يشيعون عن وطنه أنه كان دائمًا فراغًا لا جمال له ولا ثقافة ولا أهل ولا ناس ولا روائع ولا مفاتن".

حسن البحيري شاعر وجداني ملتزم جاءت أشعاره صدى وسجلًا وتجسيدًا لأحداث وطنه وهموم وجراح شعبه، غنى للوجدان الفلسطيني النابض، وحمل بلدات وطنه وطبيعتها الغنّاء في قصائده وأشعاره الرقيقة البديعة، ونجد الوطن عنده ورد ونرجس وسوسن وياسمين وعبهر وشحارير وكنارات ونوارس ومراعي واغنام ورعاة.

ومن شعره الحنيني الذي يغني مدارج صباه، بعد ان طوحته رياح الغربة والتهجير بعيدًا عن حيفا وكرمله:

فَلسطين يا لهفة الضلوع

يعزّ على الدهر سلوانها

ويا حرقة في مسيل الدموع

يفيض من القلب هّتَّانها

وخريطة الوطن ترتسم بألوان الطبيعة في كل كتابات ودواوين البحيري الشعرية، وكلما أعدنا قراءتها نجد الوطن بدفئه حاضرًا فيها، ونحس بالمكان/ حيفا، تعيش في دواخلنا بمساحاتها وشوارعها ووادي نسناسها وبيوتها العتيقة وحاراتها وازقتها العريقة وبحرها وكرملها.

وإذا كانت المعاناة هي التي تحفز وتعزز الموهبة، وتوجهها وتطورها، فإن معاناة حسن البحيري ليست معاناة شخصية، وإنما هي معاناة الشاعر المبدع الذي يمتلك الحس والحساسية التي تشغله بالهم والوجع العام، المعاناة التي يتماهى فيها الذاتي، والمتعلقة بالسؤال الإنساني والوطني والاجتماعي.

حسن البحيري صوت شعري مميز، وإن تعددت نغماته، طاقة إبداعية وموهبة شعرية اتصفت بالغزارة والقدرة على التجلي في ميادين الشعر. انخرط في الهم الفلسطيني، وانشغل به، وأصبح جزءًا من مشهده، في ظل واقع مفعم بالمآسي والنكبات والجراحات والأوجاع والآلام المستمرة. إنه قصيدة الوطن الخالدة.  


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شاكر فريد حسن
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/11/04



كتابة تعليق لموضوع : حسن البحيري بلبل حيفا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net