من دروسِ الأَربعين عامًا قبلَ القيادةِ
د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مما أَقرؤُه درسًا من دروسِ الأَربعينَ عامًا التي عاشها النبيُّ محمدٌ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) قبلَ أَنْ يُشرِّفَه اللٰهُ تعالى بالتبليغِ بالرسالةِ الخاتمةِ لحظةَ (اقرَأْ) - وهي أَولُ كلمةٍ معرفيةٍ تهيَّأَ لاستقبالِها الرسولُ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) طوالَ الأَعوامِ الأَربعينَ الماضيةِ ؛ فكانتِ (اقرَأْ) مِفتاحًا لقُطبِ الثقافةِ التعليميةِ الإِرشاديةِ التكريميةِ الحِواريةِ الهادئةِ بالمحبَّةِ والإِيثارِ في عصرٍ قائمٍ على قُطبِ الحروبِ والغَزَواتِ والهمجيةِ والنزاعاتِ والفجورِ والموؤُداتِ والزِّنا والخمْرياتِ واللهوِ والوثنيَّاتِ والجهلِ بالإِلٰهياتِ - أَنَّ المجتمعَ يتطلبُ أَنْ يقودَه مَن عرَفَه عن تجرِبةِ حياةٍ تعايُشيةٍ ليست بالقليلةِ أَعوامُها وقد ذاق فيها معهم ما ذاقوهُ ، وخالطهم فيها كما خالطوه ، وتحصَّلتْ لهم به الثقةُ كما تحصَّلت لديه بهم ما به عامَلُوه ؛ كيلا يكونَ لهم به مغمَزٌ فهو عندهم معروفٌ ، وليس له فيهم مَلغَزٌ فهم عنده مجتمعٌ مكشوفٌ.
د . علي عبدالفتاح الحاج فرهود

لذا أَجمع مجتمعُ مهبِطِ الوحْيِ وما يُحيطُ ويرتبطُ به مِن الأَمصارِ ذاتِ العِلاقةِ التجاريةِ والسياسيةِ والإِداريةِ طوالَ الأَربعينَ عامًا على أَنَّ محمدًا بنَ عبداللٰهِ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) هو الصادقُ الأَمينُ الذي لا مَقدَحَ لأَحدٍ منهم عليه ، ولا مَغمَزَ منهم فيه وإنْ كان الشَّرعُ الجديدُ قد هزَّ مضاجعَهم ، وسفَّه أَحلامَهم ، ومنع لهَواتِهم ، وأَرعبَ طغيانَهم وتكبُّرَهم.
فما بالُنا اليومَ نأتي بمَن هبَّ ودبَّ وصغُرَ سِنُّه حدَّ المراهقةِ ولَهْوِ اللعِبِ ممَّن لا عِلاقةَ له بالمجتمعِ وهمومِه ، ولا معرفةَ لأَيٍّ منهما بالآخرِ ، ولا خبرةَ حياةٍ له بما يَجبُ أَن يُنتهَجَ لإِنقاذِه ؛ فنجعلُه (قائدًا) ونُقدِّمُه للمجتمعِ (رائدًا) ؟!
أَمَا يكفينا تراجُعًا وذُلًّا أَنْ نراهم قد أَتَوا على خيراتِنا فبدَّدوها ، وإِمكاناتِنا فصادروها ؛ لنقفَ ضدَّ كلِّ مَن تاجرَ باسمِ (الدِّينِ ، والمناطقيةِ ، والقوميةِ) لسرقةِ العبادِ والبلادِ من الطارئين الذين توهَّموا أَنَّهم (قادةٌ) وهم غُرباءُ جُهلاءُ بحقٍّ ؛ فانكشفتْ عوراتُهم من فسادِهم وجهلِهم ، ونَفَرَهمُ الأُباةُ العُقلاءُ بنزاهتِهم وعلمِهم.
لقد تحصَّل للعالمين كلِّهم واقعًا أَنَّ الفائزَ الأَعلى في الدنيا والآخرةِ هو نبيُّنا الأَحمَدُ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) ومَن تبِعه بإِحسانٍ وإِخلاصٍ وطاعةٍ للعملِ الصالحِ ؛ فلن ينجحَ إِلَّا من كان مُحمَّديَّ المنهجِ والقيادةِ والسياسةِ والمحبَّةِ والحِمايةِ ، وأَنَّ الخاسرَ الأَكبرَ فيهما هو عدوُّه الأَعمى فسادًا في كلِّ طالح ؛ فلن يفوزَ مَن كان شيطانيَّ المنهجِ والقيادةِ والسياسةِ والبُغضِ والإِبادة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat