صفحة الكاتب : جودت العبيدي

تقاسم السلطة...بين النموذج الايرلندي والواقع العراقي
جودت العبيدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

حين تصل الخلافات الى مستوى الازمة, وعندما تتعمق التناقضات وتنفقد الثقة بين طرفين سياسيين يتنافسا على السلطة في مكان ما, تصبح الحلول ايضا صعبة ومعقدة وتفرض نفسها بشكل غير طبيعي  فالعلاقة طردية تماما فكلما كانت المشكلة صعبة كانت الحلول صعبة ايضا والعكس صحيح. وما حال تقسيم السلطة الا مثالا واضح على مايجري اليوم في العملية السياسية في العراق  واماكن اخرى من العالم.

اتفاق بلفاست هو احد امثلة تقاسم السلطة في ايرلندا الشمالية والذي جاء بعد اكثر من ثلاثين عاما  من الصراع والعنف الطائفي المسلح بين البروتستانت والكاثوليك الاتفاق الذي اعلن في 6 شباط 2010 على لسان رئيس الوزراء البريطاني الاسبق غولدن بروان جاء على خلفية الاتفاق الذي عقد عام 1998.

ان اهمية  هذه الاتفاقية تتلخص بانها اسدلت الستار على مرحلة طويلة من العنف الطائفي المسلح بين الكاثوليك المطالبين بالانفصال في دولة ايرلندا الشمالية وبين البروتستانت الذين يعارضون استقلالهم ولقد سقط حولي اربعة الاف من البشر ضحايا عمليات هذا الصراع والارهاب بين الطرفين.وبعد عشر سنوات على توقيع الاتفاقية بين الطرفين تمكن خلالها المجتمع الايرلندي ان يحقق خطوات كبيرة الى الامام وتحسين العلاقات بين الطرفين الامر الذي جعل من تنفيذ بنود اتفاقية تقاسم السلطة بين الطرفين امر ممكنا.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل ان تجربة تقاسم السلطة في ايرلندا الشمالية يمكن تطبيقها في العراق وهل هي نجحت هنالك بالمعنى الحقيقي واذا نجحت هنالك هل يعني انها ستنجح في العراق؟

 ان حزبي إيرلندا الشمالية الكاثوليكي والبروتستانتي اتفقا على تقاسم السلطة في إطار عملية السلام مايفتح الباب أمام «صفحة جديدة» في تاريخ الإقليم,وإضافة الى تولي بلفاست سلطات الشرطة والقضاء يقضي الاتفاق بتعيين أول وزير للعدل لإرلندا الشمالية، ما يمثل واحدة من أكثر الخطوات جرأة نحو ترسيخ تقاسم السلطة. وكان الفشل في التوصل الى اتفاق سيؤدي الى زيادة في العنف وإلى انتخابات مبكرة في الإقليم الخاضع للحكم البريطاني حيث يمثل حزب «شين فين» الغالبية الكاثوليكية في إرلندا الشمالية فيما يمثل حزب «اولستر» الأقلية البروتستانتية.

اما النموذج العراق في الخلافات التي استدعت طرح المبادرة الامريكية المتمثلة في تقاسم السلطة بين كتلة دولة القانون والكتلة العراقية فهو من حيث نوع الخلاف يتشابه تقريبا فبالوقت الذي تعتبر فيه القائمة العراقية اغلبية سنية تعتبر دولة القانون اغلبية شيعية اي ان هنالك اختلاف طائفي لايقبل الجدل, واما الاختلاف الثاني الاوهو كيفية تفسير الكتلة الاكبر صاحبة الاستحقاق الانتخابي والدستوري بتشكيل الحكومة ,لكن واقع الحال ان العلاقات بين الطرفين لاتزال تستند الى التعقل والتسامح واحيانا الشد والجذب على خلفية تقاطع البرنامج الحكومي والسياسي لكلا الطرفين , ثم التنافس السياسي على السلطة,لكن الخلاف لم يصل الى حالة الصدام المسلح والعنف فكلا الطرفين لايملك مليشيا او جماعات مسلحة تقاتل في الشارع لهذا فاننا نعتقد بان الهوة بينهما ليست كبيرة بل صغيرة يمكن ردمها واحتواء الامر بالطرق السياسية المعروفة.

واذا ما عدنا الى الفترة الزمنية وعمر الخلافات بين العراقية ودولة القانون فنرى انها برزت على خلفية الانتخابات وقد تعود الى الانتخابات السابقة اي قبل اربعة سنوات كانت بين السلب والايجاب احيانا تخللتها لقاات ودية عديدة.

تنقسم السلطات في العراق الى ثلاثة اقسام, الاولى هي السلطة التنفيذية متمثلة في رئاسة الوزراء, والثانية هي التشريعية متمثلة في رئاسة مجلس النواب, والثالثة هي القضائية التي هي رئاسة مجلس القضاء الاعلى.هنا ياتي مشروع تقاسم السلطة ...فاذا افترضنا المقصود هو تقاسم السلطة التنفيذية فمعناه ان سلطة رئيس الوزراء سيتم تقسيمها وهنا سوف يبرز موضوع اخر الا وهو ماذا وكم سياخذ من صلاحيات رئيس الوزراء التنفيذية ....وهل سيتم تقاسم السلطة مع رئيس الوزراء النصف بالنصف ام سيتم تقاسم القرارات مناصفة بين رئاسة الوزراء والمجلس السياسي .

الواقع سوف يبقى الموضوع عرضة للتفاوض تارة وللتوافقات والاجتهادات تارة اخرى.ان عملية خلق سلطة تنفيذية او قطب رابع للسلطة في العراق يبقى امر محفوف بالمخاطر ولابد على المعنيين بهذا الامر من توخي الحذر والدقة ومراعات مصلحة العراقيين والدولة في ان واحد وعدم التركيز على مصالح وامتيازات الكتل السياسية ولابد ايضا من التعامل بوطنية عالية جدا والتاكد من ان مشاريع الحلول القيصرية احيانا قد تؤدي الى انهيار الدولة والمجتمع في ان واحد لاسامح الله.انا بالوقت الذي اضم صوتي مع مشروع تقاسم السلطة لكني اؤويد ان تكون الحلول دستوريتا تتماشى مع الديمقراطية والمصلحة الوطنية العليا لشعب العراق, وما عداها ستكون حلولا ترقيعيتة لاتعالج الازمة, بل تولد المزيد من الصراعات التي تبدا بزعزعة الاستقرار وتنتهي بانهيار العملية السياسية وعند ذاك لاينفع الندم .

 جودت العبيدي

Jawdat.kathum.alobeidi@gmail.com

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جودت العبيدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/11/25



كتابة تعليق لموضوع : تقاسم السلطة...بين النموذج الايرلندي والواقع العراقي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net