مابعد كورونا ونسخة العالم الجديد
جهاد العيدان
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
جهاد العيدان

كورونا تكاد تكون وصفة جديدة ومثالية لتغيير خارطة وماهية العالم وطبيعة الكائن البشري بما يؤدي الى تحقيق احلام بعض المخيلات العلمية والعقليات الراسمالية والروايات التاريخية التي تتطلع الى عالم نخبوي تغيب فيه الحدود وتندرس الذاتيات , يتقمص بلبوس المثالية ويخضع لرؤية احادية الكون واتحادية المخلوق , بحيث يكون الكائن البشري مفصلا على مقاسات السياسة الجامعة التي ستقود العالم لاحقا .
تساؤلات تطرح اليوم حول شكل العالم بعد نهاية جائحة كورونا؟ وهو في صلب الأسئلة التي يطرحها الكثير من البشر الآن، كما أنها تمرين فكري للفلاسفة والعلماء في مختلف حقول المعرفة الإنسانية، حتى روايات الخيال العلمي.
إنّ اشتغال الفلاسفة والمفكرين وعلماء السياسة والاجتماع على مفهوم -ما بعد- معروف لكل المشتغلين بالعلوم الإنسانية والنظريات السياسية والاجتماعية، خاصة مع فورة صيرورة العولمة منذ أواخر الثمانينيات من القرن العشرين.
وكانت ميزة هذا (المابعد) أنه ارتبط بالأفكار الكبرى التي تجلّت في مفهوم واسع وغامض ومشوش هو "ما بعد الحداثة" الذي استخدم لأول مرة في حوالي سبعينيات القرن التاسع عشر في مختلف المجالات ثم "ما بعد" بعد الحداثة، والتي تجلت وأخذت لبوس السياسية والتنافس السياسي، سواء على الأرض بالقوة الجبارة، أو بالنظريات الكبرى والصراع بينها كالماركسية وفروعها، والوضعية وفروعها، والإسلامية وأشكالها.
إذن، فإن السؤال لمعرفة مابعد كورونا سيبقى مُشرعاً على سعةِ وعمق الخيال البشري وتجلياته، حتى في أغربها، وأبعدها استشرافاً، وإشراقاً، وحدوساً وتوقعا, تخيلوا معي عالما نموذجيا على غرار الاشخاص المتحولين الذين يملكون طاقات وقدرات كبيرة تستعيض الملايين الذين يديرون شبكة الاقتصاد والتجارة والاعلام والخدمات , وتخيلوا عالما يتعايش مع الطاقة الشمسية والكهرومغناطيسية ويستخدم اشعة الكون كبديل عن الطاقة الحالية ,وتخيلوا تقنيات وبرامج موجهة تحيل الصحاري الى غابات وطبيعة خلابة لدرجة ان طائرات النقل تتحول الى حاملة ازهار ونباتات مخملية للزينة , تصوروا ان العالم بكل اجزاءه وقاراته يتحول الى ادارة واحدة تشرف على كل صغيرة وكبيرة ويدار من خلال كاميرات المراقبة التي يتم زرعها في كل مكان بما فيها داخل مساحات معينة من الجسد البشري المستباح .
العالم الان قيد التشكيل وفق هذه الرؤية فالكمامة تعني تكميم الافواه وحبس الانفاس بانتظار القادم الذي يعتبر حدثا كبيرا فوق التصور وفوق الادراك , اما الحجر المنزلي والصحي فهو بمثابة التصميم القادم للانسان المحتجز داخل اسوار النفس الذي يتحول الى مجلرد روبوت عامل بعيدا عن مواقع العمل والادارات وبعيدا عن المعابد فلاول مرة يتوقف الحج بهذا الشكل وكذلك اربعينية الامام الحسين(ع) , مما يعني ان كورونا هي سلب الانسان من كونه الفكري الانسيابي ليرتاض كالاسد في عربة السيرك ويلتزم المنزل مما يوفر للراسمالية اموالا طائلة حيث سيتم الاستغناء عن ملايين الوظائف , فالمعلمون والاستاذة لامجال لهم لان المدارس ستدار عبر قنوات تلفزيون مشتركة وكذلك الصحافة والاعلام انما تدار من قبل بعض الاشخاص على طريقة دمج معظم القطاعات الاعلامية وكذلك الدوائر الاخرى حيث سيتم توظيف الحاسوبات والبرامج للقيام بالعمل الدوائري ومن خلال البريد الالكتروني لجميع معاملات المواطنين , مايجري اليوم انما هو توليفة وتمهيد للقادم من الخطوات الاخرى ,كما ان السفر سيصبح بعيد المنال وتتحول الدول الى كانتونات وتقدم المشاهد والرحلات عبر الابعاد الثلاثية وعبر كاميرات سياحية تنقلك وانت في مكانك الى اي مكان يجول في خاطرك .مما يتيح الفرصة لايجاد عولمة جديدة على اسس صارمة وغير قابلة للانفلات لان العملة الافتراضية ستكون هي الرصيد المالي للمواطنيين مما سيعزز الحكومة الخفية التي ستدير العالم وفق برامج واليات وضوابط معينة تجعل من الانسان اداة للمنفعة الراسمالية بعيدا عن متعه الخاصة وتسلياته المتوارثة . هذا العالم الجديد سيكون مركزه في الصين واليابان وهاتان الدولتان ستملكان القدرات اللازمة لادارة الاوضاع القادمة في العالم , والملاحظ ان الصين وحدها انتعشت اقتصاديا من بين دول العالم التي تدهورت اقتصادياتها بشكل مريع وانتقال النفوذ من الغرب الى الشرق هو مايبشر به Stephen M. Walt الذي يعدّ اليوم من أهم منظري المدرسة الواقعية الدفاعية الجديدة في الولايات المتحدة،والمتابع للاموال اليهودية يجد انها بدات تنتقل من امريكا واوربا الى الصين مما يعطي الانطباع الحقيقي بان الصين ستكون هي نقطة الارتكاز العالمي القادم وهذا الامر يفسر الحرب التجارية التي تشنها امريكا ضد الصين .كما يتوقع "ولت" أن وباء كورونا، سيخلق عالمًا أقل انفتاحًا وأقل حرية.وهذا مااشرنا اليه عن الحجر المنزلي الجديد الذي سيعتاده المواطنون بعد انتزاع العواطف منهم حيث لامصافحة ولاعناق ليتحول الانسان الى مادة متحركة وعاملة فحسب دون الاهتمام بقضايا الحياة الاخرى .
عالم مابعد كورونا هو اقرب لنظرية الانتظار التي تتجلى في عالم احادي المركزية , متفتح وزاه وجميل , والجميع منقادون فيه للقائد الذي يمتلك مفاتيح المعرفة ,ويبني عالما متسامحا تتعايش فيه حتى الحيوانات المفترسة .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat